المنشورات

آداب الحكماء والعلماء

منه في فضيلة الأدب
أوصى بعض الحكماء بنبيه فقال: الأدب أكرم الجواهر طبيعة، وأنفسها قيمة، يرفع الأحساب الوضيعة، ويفيد الرّغائب الجليلة، ويعزّ بلا عشيرة، ويكثر الأنصار بغير رزية؛ فالبسوه حلّة، وتزيّنوه حلية؛ يؤنسكم في الوحشة ويجمع لكم القلوب المختلفة.
ومن كلام عليّ عليه السلام، فيما يروي عنه أنه قال: من حلم ساد، ومن ساد استفاد، ومن استحيا حرم، ومن هاب خاب، ومن طلب الرياسة صبر على السياسة،ومن أبصر عيب نفسه عمي عن عيب غيره، ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئرا وقع فيها، ومن نسي زلته استعظم زلّة غيره، ومن هتك حجاب غيره انهتكت عورات بينه، ومن كابر في الأمور عطب، ومن اقتحم الّلجج غرق، ومن أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ، ومن تجبّر على الناس ذلّ، ومن تعمّق في العمل ملّ، ومن صاحب الأنذال حقّر، ومن جالس العلماء وقّر، ومن دخل مداخل السوء اتّهم، ومن حسن خلقه سهلت له طرقه. ومن حسن كلامه كانت الهيبة أمامه، ومن خشي الله فاز؛ ومن استقاد الجهل ترك طريق العدل، ومن عرف أجله قصر أمله، ثم أنشأ يقول:
إلبس أخاك على عيوبه ... واستر وغطّ على ذنوبه
واصبر على بهت السّفي ... هـ وللزّمان على خطوبه «1»
ودع الجواب تفضّلا ... وكل الظلوم إلى حسيبه «2»
وقال شبيب بن شيبة: اطلبوا الأدب فإنه مادة العقل، ودليل على المروءة، وصاحب في الغربة، ومؤنس في الوحشة، وحلية في المجلس، ويجمع لكم القلوب المختلفة.
وقال عبد الملك بن مروان لبنيه: عليكم بطلب الأدب؛ فإنّكم إن احتجتم إليه كان لكم مالا، وإن استغنيتم عنه كان لكم جمالا.
وقال بعض الحكماء: اعلم أنّ جاها بالمال إنما يصحبك ما صحبك المال، وجاها بالأدب غير زائل عنك.
وقال ابن المقفّع: إذا أكرمك الناس لمال أو لسلطان فلا يعجبك ذلك: فإن الكرامة تزول بزوالها، ولكن ليعجبك إذا أكرموك لدين أو أدب.
وقال الأحنف بن قيس: رأس الأدب المنطق، ولا خير في قول إلا بفعل ولا في مال إلا بجود، ولا في صديق إلا بوفاء، ولا في فقه إلا بورع؛ ولا في صدق إلا بنيّة.
وقال مصقلة الزّبيري: لا يستغنى الأديب عن ثلاثة واثنين: فأمّا الثلاثة: فالبلاغة والفصاحة وحسن العبارة. وأما الاثنان فالعلم بالأثر والحفظ للخير.
وقالوا: الحسب محتاج إلى الأدب، والمعرفة محتاجة إلى التجربة.
وقال بزرجمهر: ما ورّث الآباء الأبناء شيئا خيرا من الأدب لأنّ بالأدب يكسبون المال وبالجهل يتلفونه.
وقال الفضيل بن عياض: رأس الأدب معرفة الرجل قدره.
وقالوا: حسن الخلق خير قرين، والأدب خير ميراث، والتوفيق خير قائد.
وقال سفيان الثّوري: من عرف نفسه لم يضره ما قال الناس فيه.
وقال أنو شروان للموبذ، وهو العالم بالفارسية: ما كان أفضل الأشياء؟ قال الطبيعة النقية تكتفي من الأدب بالرائحة، ومن العلم بالإشارة؛ وكما يموت البذر في السّباخ «1» ، كذلك تموت الحكمة بموت الطبيعة. قال له: صدقت، ونحن لهذا قلّدناك ما قلدناك.
وقيل لأردشير: الأدب أغلب أم الطبيعة؟ فقال: الأدب زيادة في العقل ومنبهة للرأي، ومكسبة للصواب، والطبيعة أملك، لأن بها الاعتقاد ونماء الفراسة وتمام الغذاء.
وقيل لبعض الحكماء: أيّ شيء أعون للعقل بعد الطبيعة المولودة؟ قال: أدب مكتسب.
وقالوا: الأدب أدبان: أدب الغريزة، وهو الأصل؛ وأدب الرواية، وهو الفرع.
ولا يتفرع شيء إلا عن أصله، ولا ينمى الأصل إلا باتصال المادة.
وقال الشاعر:
ولم أر فرعا طال إلا بأصله ... ولم أر بدء العلم إلّا تعلّما
وقال حبيب:
وما السيف إلا زبرة لو تركته ... على الحالة الأولى لما كان يقطع «1»
وقال آخر:
ما وهب الله لامريء هبة ... أفضل من عقله ومن أدبه
هما حياة الفتى فإن فقدا ... فإن فقد الحياة أحسن به
وقال ابن عباس: كفاك من علم الدين أن تعرف ما لا يسعك جهله، وكفاك من علم الأدب أن تروي الشاهد والمثال.
قال ابن قتيبة: إذا أردت أن تكون أديبا فتفنن في العلوم.
وقالت الحكماء: إذا كان الرجل طاهر الأثواب، كثير الآداب، حسن المذهب؛ تأدّب بأدبه وصلح لصلاحه جميع أهله وولده.
وقال الشاعر:
رأيت صلاح المرء يصلح أهله ... ويفسدهم ربّ الفساد إذا فسد
يعظّم في الدنيا لفضل صلاحه ... ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد
وسئل ديو جانس: أي الخصال أحمد عاقبة؟ قال: الإيمان بالله عز وجل، وبرّ الوالدين، ومحبة العلماء، وقبول الأدب.
روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال من لا أدب له لا عقل له.
وقالوا: الأدب يزيد العاقل فضلا ونباهة، ويفيده رقة وظرفا.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید