المنشورات

أدب الملوك

قال العلماء: لا يؤمّ ذو سلطان في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه.
وقال زياد: لا يسلّم على قادم بين يدي أمير المؤمنين.
ودخل عبد الله بن عباس على معاوية وعنده زياد، فرحّب به معاوية ووسع له إلى جنبه، وأقبل عليه يسائله ويحادثه وزياد ساكت، فقال له ابن عباس: كيف حالك أبا المغيرة، كأنك أردت أن تحدث بيننا وبينك هجرة؟ فقال: لا، ولكنه لا يسلّم على قادم بين يدي أمير المؤمنين. قال ابن عباس: ما أدكرت الناس إلا وهم يسلمون على إخوانهم بين يدي أمرائهم. فقال له معاوية: كفّ عنه يا بن عباس، فإنك لا تشاء أن تغلب إلا غلبت.
الشيباني قال: بصق ابن مروان فقصّر في بصقته، فوقعت في طرف البساط فقام رجل من المجلس فمسحه بكمه، فقال عبد الملك بن مروان: أربعة لا يستحى من خدمتهم: الإمام، والعالم، والوالد، والضعيف.
وقال يحيى بن خالد: مساءلة الملوك عن حالها من تحية النّوكى، فإذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأمير، فقل: صبّح الله الأمير بالنعمة والكرامة. وإن كان عليلا فأردت أن تسأله عن حاله، فقل: أنزل الله على الأمير الشفاء والرحمة.
وقالوا: إذا زادك الملك إكراما فزده إعظاما، وإذا جعلك عبدا فاجعله ربّا ولا تديمن النظر إليه، ولا تكثر من الدعاء له في كلّ كلمة ولا تتغيّر له إذا سخط ولا تغترّ به إذا رضي، ولا تلحف في مسألته.
وقالوا: الملوك لا تسأل ولا تشمّت، ولا تكيّف.
وقال الشاعر:
إن الملوك لا يخاطبونا ... ولا إذا ملّوا يعاتبونا
وفي المقال لا تنازعونا ... وفي العطاس لا يشمّتونا
وفي الخطاب لا يكيّفونا ... يثنى عليهم ويبجّلونا
فافهم وصاتي لا تكن مجنونا
وقالوا: من تمام خدمة الملوك أن يقرّب الخادم إليه نعليه، ولا يدعه يمشي إليهما، ويجعل النعل اليمنى قبالة الرجل اليمنى، واليسرى قبالة الرجل اليسرى؛ وإذا رأى متكأ يحتاج إلى إصلاح أصلحه، ولا ينتظر فيه أمره، ويتفقد الدواة قبل أن يأمره، وينفض عنها الغبار إذا قرّبها إليه، وإن رأى بين يديه قرطاسا قد تباعد عنه قرّبه إليه ووضعه بين يديه على كسره.
وقال أصحاب معاوية لمعاوية: إنا ربما جلسنا عندك فوق مقدار شهوتك، فأنت تكره أن تستخفّنا فتأمرنا بالقيام، ونحن نكره أن نثقل عليك في الجلوس، فلو جعلت لنا علامة نعرف بها ذلك؟ فقال: علامة ذلك أن أقول: إذا شئتم.
وقيل مثل ذلك ليزيد بن معاوية، فقال: إذا قلت: على بركة الله.
وقيل مثل ذلك لعبد الملك بن مروان، فقال: إذا وضعت الخيزرانة.
وما سمعت بألطف معنى، ولا أكمل أدبا، ولا أحسن مذهبا في مساءلة الملوك من شبيب بن شيبة وقوله لأبي جعفر: أصلحك الله، إني أحب المعرفة وأجلك عن السؤال. فقال له: فلان بن فلان.








مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید