المنشورات

آفات المنطق

تكلم ابن السماك يوما وجارية له تسمع كلامه، فلما دخل قال لها: كيف سمعت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تردّده. قال: أردّده ليفهمه من لم يفهمه. قالت:
إلى أن يفهمه من لم يفهمه يملّه من فهمه.
الأصمعي قال: قال معاوية يوما لجلسائه: أيّ الناس أفصح؟ فقال رجل من السماط: يا أمير المؤمنين، قوم قد ارتفعوا عن رتّة العراق، وتياسروا عن كشكشة بكر، وتيامنوا عن شنشنة تغلب، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير.
قال: من هم؟ قال: قومك يا أمير المؤمنين، قريش. قال: صدقت! فمن أنت؟ قال:
من جرم. قال الأصمعي: جرم فصحاء الناس.
وهذا الحديث قد وقع في فضائل قريش؛ وهذا كان موضعه فذكرناه.
قال أبو العباس محمد بن يزيد النّحوي: التمتمة في المنطق: التردّد في التاء.
والعقلة: هي التواء اللسان عند إرادة الكلام. والحبسه: تعذر الكلام عند إرادته.
والّلفف: إدخال حرف في حرف. والطمطمة: أن يكون الكلام مشبها لكلام العجم.
والّلكنة: أن تعترض عند الكلام اللغة الأعجمية- وسنفسر هذا حرفا حرفا وما قيل فيه إن شاء الله- والّلثغة أن يعدل بحرف إلى حرف. والغنّة: أن يشرب الحرف صوت الخيشوم؛ والخنة، أشد منها. والترخيم: حذف الكلام. والفأفأة: التردّد في الفاء؛ يقال: رجل فأفاء، تقديره فاعال: ونظيره من الكلام، ساباط، وخاتام، وقال الراجز:
يا ميّ ذات الجورب المنشقّ ... أخذت خاتامي بغير حقّ
وقال آخر:
ليس بفأفاء ولا تمام ... ولا محبّ سقط الكلام
والرّتة، كالرّتج: تمنّع أول الكلام، فإذا جاء منه شيء اتصل به. والغمغمة: أن تسمع الصوت ولا تبين لك تقطيع الحروف.
وأما الرّتة فإنها تكون غريزية. وقال الراجز:
يا أيّها المخلّط الأرتّ
ويقال إنها تكثر في الأشراف. وأما الغمغمة. فإنها قد تكون من الكلام وغيره، لأنها صوت من لا يفهم تقطيع حروفه. قال عنترة:
وصاحب ناديته فغمغما ... يريد لبّيك وما تكلّما
قد صار من خوف الكلام أعجما
وأما كشكشة تميم: فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شينا، لقرب الشين من الكاف في المخرج، وقال راجزهم:
هل لك أن تنتفعي وأنفعش ... وتدخلي الذي معي في اللذمعش وأما كسكسة بكر فقوم منهم يبدلون من الكاف سينا كما فعل التميميون في الشين. وأما طمطمانية حمير ففيها يقول عنترة:
تأوى له قلص النّعام كما أوت ... حزق يمانية لأعجم طمطم
وكان صهيب أبو يحيى رحمه الله يرتضخ لكنة رومية.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: صهيب سابق الروم.
وكان عبيد الله بن زياد يرتضخ لكنة فارسية من قبل زوج أمه شيرويه الأسواريّ.
وكان زياد الأعجم، وهو رجل من عبد القيس، يرتضخ لكنة أعجمية، وأنشد المهلّب في مدحه إياه:
فتى زاده السّلتان في الحمد رغبة ... إذا غيّر السّلتان كلّ خليل
يريد: السلطان؛ وذلك أن بين التاء والطاء نسبا، لأن التاء من مخرج الطاء. وأما الغنة فتستحسن من الجارية الحديثة السن. قال ابن الرقاع في الظبية:
تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها «1»
وقال ابن المقفع: إذا كثر تقليب اللسان رقّت حواشيه ولانت عذبته.
وقال العتّابي: إذا حبس اللسان من الاستعمال اشتدّت عليه مخارج الحروف. وقال الراجز:
كأنّ فيه لغفا إذا نطق ... من طول تحبيس وهمّ وأرق











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید