المنشورات

الإعراب واللحن

أبو عبيدة قال: مر الشعبي بقوم من الموالي يتذاكرون النحو، فقال لهم: لئن أصلحتموه إنكم لأول من أفسده.
قال أبو عبيدة: ليته سمع لحن صفوان وخالد بن صفوان وخاقان والفتح بن خاقان والوليد بن عبد الملك.
وقال عبد الملك بن مروان: اللحن في الكلام أقبح من التّفتيق في الثوب، والجدريّ في الوجه.
وقيل له لقد عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: شيّبني ارتقاء المنابر وتوقّع اللحن.
وقال الحجاج لابن يعمر: أتسمعني ألحن؟ قال: ألا ربما سبقك لسانك ببعضه في آن وآن. قال: فإذا كان ذلك فعرّفني.
وقال المأمون لأبي علي المعروف بأبي يعلي المنقريّ: بلغني أنك أمّيّ، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن في كلامك. فقال: يا أمير المؤمنين، أمّا اللحن فربما سبقني لساني بالشيء منه، وأما الأمّية وكسر الشعر فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلم أميا وكان لا ينشد الشعر. قال المأمون: سألتك عن ثلاث عيوب فيك فزدتني عيبا رابعا، وهو الجهل.
يا جاهل، إن ذلك في النبي صلّى الله عليه وسلم فضيلة، وفيك وفي أمثالك نقيصة، وإنما منع ذلك النبي صلّى الله عليه وسلم لنفي الظّنّة عنه، لا لعيب في الشعر والكتاب، وقد قال تبارك وتعالى:
وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ
«1» .
وقال عبد الملك بن مروان: الإعراب جمال للوضيع، واللحن هجنة على الشريف وقال: تعلموا النحو كما تتعلمون السنن والفرائض.
وقال رجل للحسن: إن لنا إماما يلحن. قال: أميطوه «2» .
وقال الشاعر:
النحو يبسط من لسان الألكن ... والمرء تكرمه إذا لم يلحن «3»
فإذا طلبت من العلوم أجلّها ... فأجلّها منها مقيم الألسن
وقال آخر:
الشّعر صعب وطويل سلّمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلّت به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه
وقال رجل للحسن: يا أبو سعيد، فقال: أحسب أن الدوانيق «1» شغلتك عن أن تقول يا أبا سعيد.
وكان عمر بن عبد العزيز جالسا عند الوليد بن عبد الملك، وكان الوليد لحّانا، فقال: يا غلام، ادع لي صالح. فقال الغلام: يا صالحا. قال له الوليد: انقص ألفا.
فقال عمر: وأنت يا أمير المؤمنين فزد ألفا.
ودخل على الوليد بن عبد الملك رجل من أشراف قريش، فقال له الوليد: من ختنك «2» ؟ قال له: فلان اليهودي. فقال: ما تقول؟ ويحك! قال: لعلك إنما تسأل عن ختني يا أمير المؤمنين، هو فلان بن فلان.
وقال عبد الملك بن مروان: أضرّ بنا في الوليد حبّنا له فلم نلزمه البادية.
وقد يستثقل الإعراب في بعض المواضع كما يستخف اللحن في بعضها.
وقال مالك بن أسماء بن خارجة الفزاري:
منطق بارع ويلحن أحيا ... نا وخير الكلام ما كان لحنا
وذلك أنه من حكى نادرة مضحكة، وأراد أن يوفي حروفها حظّها من الإعراب، طمس حسنها وأخرجها عن مقدارها؛ ألا ترى أن مزّيدا المديني أكل طعاما فكظّه «3» وقيل له: ألا تقيء؟ فقال: وما أقيء، خبز نقي ولحم طري! مرتي طالق، لو وجدت هذا قيئا لأكلته.
قال: وكذلك يستقبح الإعراب في غير موضعه، كما استقبح من عيسى بن عمر إذ قال وابن هبيرة يضربه بالسياط، والله إن كانت إلا أثيّابا في أسيفاط «1» قبضها عشّاروك «2» .
وحكي عن بعض المعربين للحن أنّ جارية له غنّته:
إذا ما سمعت اللوم فيها رفضته ... فيدخل من أذن ويخرج من أخرى
فقال لها: من أخرى يا فاعلة، أما علّمتك أنّ (من) تخفض؟
وقال رجل لشريح: ما تقول في رجل توفّي وترك أبا وأخيه؟ فقال له: أباه وأخاه. فقال: كم لأباه وأخاه؟ قال: لأبيه وأخيه. قال: أنت علّمتني، فما أصنع؟
وقال بعض الشعراء. وأدرك عليه رجل من المتفصّحين، يقال له حفص، لحنا في شعره، وكان حفص به اختلاف في عينه وتشويه في وجهه، فقال فيه.
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كمثل الطّود عما تتبّع «3»
تتبّع لحنا من كلام مرقّش ... وخلقك مبنيّ من اللحن أجمع
فعينك إقواء وأنفك مكفأ ... ووجهك إيطاء فما فيك مرقع «4»












مصادر و المراجع :
١- العقد الفريد
المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید