المنشورات

نوادر من النحو

للخليل:
قال الخليل بن أحمد: أنشدني أعرابي:
وإنّ كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
قال: فجعلت أعجب من قوله «عشر أبطن» فلما رأى عجبي قال: أليس هكذا قول الآخر:
وكان مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر «5»
وقال أبو زيد: قلت للخليل: لم قالوا في تصغير واصل: أويصل، ولم يقولوا وويصل؟ قال: كرهوا أن يشبّه كلامهم بنبيح الكلاب.
وقال أبو الأسود الدؤلي: من العرب من يقول: لولاي لكان كذا وكذا.
وقال الشاعر:
وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرماه من قنّة النّيق منهوي «1»
وكذلك «لولا أنتم، ولولاكم» : ابتداء وخبره محذوف.
وقال أبو زيد: وراء وقدّام لا يصرفان لأنهما مؤنثان؛ وتصغير قدّام قديدمة، وتصغير وراء وريئة؛ وقدّام خمسة أحرف، لأن الدال مشدّدة، فأسقطوا الألف لأنها زائدة، ولئلا يصغر إسم على خمسة أحرف.
أبو حاتم قال: يقال أمّ بينة الأمومة، وعمّ بيّن العمومة. ويقال: مأموم، إذا شجّ أم رأسه. ورجل مموم. إذا أصابه الموم «2» .
يقول المازني: يقال في حسب الرجل أرفة «3» ووصمة وأبنة؛ وكذلك يقال للعصا إذا كان فيها عيب.
ويقال: قذيت عينه، إذا أصابها الرمد.
وقد يقال في التقديم والتأخير مثل قول الشاعر.
شرّ يوميها وأخزاه لها ... ركبت هند بحدج جملا «4»
يريد: ركبت هند بحدج جملا في شرّ يوميها، نصب لأنه ظرف.
وقد يسمّى الشيء باسم الشيء إذا جاوره: قال الفرزدق:
أخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع
قوله: لنا قمراها، يريد الشمس والقمر.
وكذلك قول الناس العمرين: أبي بكر وعمر.
الرياشي: يقال: أخذ قضّتها وكعبتها، إذا أخذ عذرتها.
قال أبو عبيدة: المعيون: الذي له منظر ولا مخبر. والمعين: الذي قد أصيب بالعين. والمعين: الماء الظاهر.
أبو عبيدة قال: سمعت رؤبة يقول: أنا ريّق، يريد على الريق.
الأصمعي قال: لقي أبو عمرو بن العلاء عيسى بن عمر؛ فقال له: كيف رحلك؟
قال: ما تزداد إلا مثالة «1» . قال: فما هذه المعيوراء التي تركض؟ يريد: ما هذه الحمير التي تركب؟
يقال: معيوراء، ومشيوخاء، ومعوّداء.
قال الأصمعي: إنما يقال: اقرأ عليه السلام؛ وأنشد:
اقرأ على عصر الشباب تحيّة ... وإذا لقيت ددا فقطني من دد «2»
وقال الفرزدق:
وما شبق القيسيّ من ضعف عقله ... ولكن طفت علماء قلفة خالد «3»
أراد: على الماء، فحذف. وهذا آخر كتاب سيبويه.
وقال بعض الوراقين:
رأيت يا حمّاد في الصيد ... أرانبا تؤخذ بالأيدي
إنّ ذوي النّحو لهم أنفس ... معروفة بالمكر والكيد
يضرب عبد الله زيدا وما ... يريد عبد الله من زيد
وأنشد أبو زيد الأنصاري:
يا قرط حيي لا أبا لكم ... يا قرط إنّي عليكم خائف حذر
قلتم له اهج تميما لا أبا لكم ... في فمّ قائل هذا التّرب والحجر
فإنّ بيت تميم ذو سمعت به ... بيت به رأست في عزّها مضر
«ذو» هنا في مكان «الذي» لا يتغير عن حاله في جميع الإعراب؛ وهذه لغة طيء، تجعل «ذو» في مكان «الذي» .
وقال الحسن بن هانيء:
حبّ المدامة ذو سمعت به ... لم يبق فيّ لغيرها فضلا
وبعض العرب يقول: «لا أباك» في مكان «لا أبا لك» مضافا؛ ولذلك ثبتت الألف، ولو كانت غير معربة لقلت «لا أب لك» بغير ألف. وليس في الإضافة شيء يشبه هذا، لأنه حال بين المضاف والمضاف إليه.
لبعض الشعراء:
وقال الشاعر:
أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني!
وقال آخر:
وقد مات شمّاخ ومات مزرّد ... وأيّ كريم لا أباك مخلّد
وأنشد الفراء لابن مالك العقيلي:
إذا أنا لم أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلّا من وراء وراء
هذا مثل قولهم: بين بين.
وقال محمود الوراق:
مزج الصّدود وصاله ... نّ فكان أمرا بين بين
وقال الفرزدق:
وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرّقاب نواكس الأبصار
قال أبو العباس محمد بن يزيد النحوي: في هذا البيت شيء مستظرف عند أهل النحو. وذلك أنه جمع «فاعل» على «فواعل» وإذا كان هذا، لم يكن بين المذكر والمؤنث فرق؛ لأنك تقول: ضاربة وضوارب، ولا يقال في المذكر فواعل إلا في موضعين، وذلك قولهم فوارس وهوالك، ولكنه اضطر في الشعر فأخرجه عن الأصل، ولولا الضرورة ما جاز له.
وقال أبو غسان رفيع بن سلمة تلميذ أبي عبيدة المعروف بدماذ، يخاطب أبا عثمان النحوي المازنيّ:
تفكّرت في النّحو حتّى ملل ... ت وأتعبت نفسي له والبدن
وأتعبت بكرا وأصحابه ... بطول المسائل في كلّ فن
سوى أنّ بابا عليه العفا ... للفاء يا ليته لم يكن
فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن
وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسنه قد لعن
إذا قلت هاتوا لماذا يقا ... ل لست بآتيك أو تأتين
أجيبوا: لما قيل هذا كذا ... على النّصب قالوا لإضمار أن
وما إن رأيت لها موضعا ... فأعرف ما قيل إلّا بأن
فقد خفت يا بكر من طول ما ... أفكر في أمر «أن» أن أجن












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید