المنشورات

الغريب والتقعيب

دخل أبو علقمة على أعين الطبيب، فقال: أصلحك الله، أكلت من لحوم هذه الجوازل، فطسئت طسأة «1» ، فأصابني وجع بين الوابلة «2» ودأية العنق «3» ، فلم يزل ينمو ويربو حتى خالط الخلب «4» والشراسيف «5» ؛ فهل عندك دواء؟ قال نعم: خذ خربقا «6» وسلفقا وشبرقا فزهزقه وزقزقه «7» واغسله بماء ذوب واشربه. فقال له أبو علقمة: لم أفهمك. فقال: ما أفهمتك إلا كما أفهمتني!.
وقال له مرة أخرى: إني أجد معمعة وقرقرة. فقال: أما المعمعة فلا أعرفها، وأما القرقرة فضراط لم ينضج.
وقال أبو الأسود الدؤلي لأبي علقمة: ما حال ابنك؟ قال: أخذته الحمّى فطبخته طبخا، ورضخته رضخا «8» ، وفتخته فتخا «9» ، فتركته فرخا. قال: فما فعلت زوجته التي كانت تشارّه «10» وتهارّه «11» وتمارّه «12» وتزارّه «13» ؟ قال: طلّقها فتزوجت بعده فحظيت وبظيت «14» . قال: فما بظيت؟ فقال له: حرف من الغريب لم يبلغك.
فقال: يا بن أخي، كل حرف لا يعرفه عمّك فاستره كما تستر السّنور خرأها.
أبو علقمة وحجام:
ودعا أبو علقمة بحجام يحجمه، فقال له: أنق غسل المحاجم، واشدد قضب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع؛ وليكن شرطك وخزا، ومصّك نهزا، ولا تردّن آتيا، ولا تكرهن آبيا.
فوضع الحجّام محاجمه في جونته «1» ومضى عنه.
أبو المكنون وأعرابي:
وسمع أعرابي أبا المكنون النحويّ في حلقته وهو يقول في دعاء الاستسقاء: اللهم ربّنا وإلهنا ومولانا، فصلّ على محمد نبينا، اللهم ومن أراد بنا سوءا فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الولائد، ثم أرسخه على هامته كرسوخ السّجّيل «2» على أصحاب الفيل؛ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريثا مريعا مجلجلا مسحنفرا «3» هزجا، سحاّ «4» سفوحا، طبقا غدقا مثعنجرا «5» نافعا لعامّتنا وغير ضار لخاصتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نوح، هذا الطوفان وربّ الكعبة، دعني حتى آوي إلى جبل يعصمني من الماء.
وسمعه مرة أخرى يقول في يوم برد: إن هذا يوم بلّة عصبصب «6» ، بارد هلّوف «7» . فارتعد الأعرابي وقال: والله هذا مما يزيدني بردا.
وخطب أبو بكر المنكور فأغرب في خطبته وتقعّر في كلامه؛ وعند أصل المنبر رجل من أهل الكوفة يقال له حنش؛ فقال لرجل إلى جنبه: إني لأبغض الخطيب يكون فصيحا بليغا متقعّرا. وسمعه أبو بكر المنكور الخطيب. فقال له: ما أحوجك يا حنش إلى مدحرج مفتول لين الجلاد لدن المهزّة عظيم الثمرة «8» ، تؤخذ به من مغرز العنق إلى عجب الذنب «9» ، فتعلى فتكثر له رقصاتك من غير جذل.
وقال حبيب الطائي:
فما لك بالغريب يد ولكن ... تعاطيك الغريب من الغريب
أما لو أنّ جهلك عاد علما ... إذا لرسخت في علم الغيوب
ومن قولنا نمدح رجلا باستسهال اللفظ وحسن الكلام:
قول كأنّ فريده ... سحر على ذهن اللّبيب
لا يشمئزّ على اللّسان ... ولا يشذ عن القلوب
لم يغل في شنع اللّغا ... ت ولا توحّش بالغريب
سيف تقلّد مثله ... عطف القضيب على القضيب
هذا تجذّ به الرّقا ... ب وذا تجذّ به الخطوب «1»













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید