المنشورات

الرجل النفاع الضرار

يقال: إنه لخرّاج ولّاج، وأنه لحوّل قلّب؛ وإذا كان متصرفا في أموره نفاعا لأوليائه، ضرّارا لأعدائه. وإذا كان على غير ذلك قيل: ما يحلى ولا يمرّ ولا يعدّ في العير ولا في النّفير، وما فيه خير يرجى ولا شرّ يتّقى.
وقال بعضهم: لا يرضى العاقل أن يكون إلا إماما في الخير أو الشر. وقال الشاعر:
إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما ... يرجّى الفتي كيما يضرّ وينفعا
وقال حبيب:
ولم أر نفعا عند من ليس ضائرا ... ولم أر ضرّا عند من ليس ينفع
وسمع أعرابي رجلا يقول: ما أتى فلان بيوم خير قط. فقال: إن لا يكن أتى بيوم خير فقد أتى بيوم شر.
وقال الشاعر:
وما فعلت بنو ذبيان خيرا ... ولا فعلت بنو ذبيان شرّا
وقال آخر:
قبح الإله عداوة لا تتّقى ... وقرابة يدلى بها لا تنفع
وفخر رجل فقال: أبي الذي قتل الملوك وغصب المنابر، وفعل وفعل! فقال له رجل: لكنه أسر وقتل وصلب. فقال دعني من أسره وقتله وصلبه؛ أبوك [هل] حدّث نفسه بشيء من هذا قط.
وقال رجل «1» يذم قومه، وأغارت بنو شيبان على إبله فاستنجدهم فلم ينجدوه، وكان فيهم ضعف، فقال فيهم:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا «1»
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النّائبات على ما قال برهانا
قوم إذا الشّرّ أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا «2»
لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشّرّ في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربّك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا
ولم يرد بهذا أنه وصفهم بالحلم ولا بالخشية لله؛ وإنما أراد به الذلّ والعجز؛ كما قال النجاشي في رهط تميم بن مقبل:
قبيلته لا يخفرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبّة خردل
ولا يردون الماء إلا عشيّة ... إذا صدر الورّاد عن كلّ منهل «3»
وكل من نفع في شيء فقد ضرّ في شيء.
وكذلك قول أشجع بن عمرو:
يصاد أعناقا بمنصله ... ويفكّ أعناقا من الرقّ «4»
وقال الحسن بن هانيء:
يرجو ويخشى حالتيك الورى ... كأنّك الجنّة والنّار
ومن قولنا في هذا المعنى:
من يرتجى غيرك أو يتّقى ... وفي يديك الجود والباس
ما عشت عاش الناس في نعمة ... وإن تمت مات بك الناس
وقال آخر:
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... لشرب صبوح أو لشرب غبوق «1»
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوّ أو لنفع صديق













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید