المنشورات

الشيب

قال قيس بن عاصم: الشيب خطام المنية «1» .
وقال غيره: الشيب نذير الموت.
وقال النميري: الشيب عنوان الكبر.
وقال المعتمر بن سليمان: الشيب موت الشّعر، وموت الشّعر علّة لموت البشر.
وقال أعرابي: كنت أنكر البيضاء فصرت أنكر السوداء، فيا خير مبدول ويا شرّ بدل.
وقيل للنبي صلّى الله عليه وسلم: عجل عليك الشيب يا رسول الله! قال: شيّبتني هود وأخواتها.
وقيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك الشيب يا أمير المؤمنين! قال: شيّبتني ارتقاء المنابر وتوقّع الّلحن.
وقيل لرجل من الشعراء: عجل عليك الشيب. فقال: وكيف لا يعجل وأنا أعصر قلبي في عمل لا يرجى ثوابه، ولا يؤمن عقابه.
وقال حبيب الطائي:
غدا الشيب مختطا بفوديّ خطّة ... طريق الرّدى منها إلى النفس مهيع «1»
هو الزّور يجفى والمعاشر يجتوى ... وذو الإلف يقلى والجديد يرقّع «2»
له منظر في العين أبيض ناصع ... ولكنّه في القلب أسود أسفع «3»
وقال محمود الوراق:
بكيت لقرب الأجل ... وبعد فوات الأمل
ووافد شيب طرا ... بعقب شباب رحل
شباب كأن لم يكن ... وشيب كأن لم يزل
طواك بشير البقا ... وجاء بشير الأجل
وقال أيضا:
لا تطلبنّ أثرا بعين ... فالشّيب إحدى الميتتين
أبدى مقابح كلّ شين ... ومحا محاسن كلّ زين
فإذا رأيت الغانيا ... ت رأين منك غراب بين
ولربما نافسن في ... ك وكنّ طوعا لليدين
أيام عمّمك الشّبا ... ب وأنت سهل العارضين «4»
حتى إذا نزل المشي ... ب وصرت بين عمامتين
سوداء حالكة وبي ... ضاء المناشر كالّلجين
مزج الصّدود وصا ... لهنّ فكنّ أمرا بين بين
وصبرن ما صبر السّوا ... د على مصانعة ودين
حتى إذا شمل المشي ... ب فحاز قطر الحاجبين
قفّين شرّ قفيّة ... وأخذن منك الأطيبين
فاقن الحياء وسلّ نف ... سك أو فناد الفرقدين «1»
ولئن أصابتك الخطو ... ب بكلّ مكروه وشين
فلقد أمنت بأن يصي ... بك ناظر أبدا بعين
وقال حبيب الطائي:
نظرت إليّ بعين من لم يعدل ... لمّا تمكّن حبّها من مقتلي
لمّا رأت وضح المشيب بلمّتي ... صدّت صدود مجانب متحمّل
فجعلت أطلب وصلها بتلطف ... والشيب يغمزها بألّا تفعلي
وقال آخر:
صدّت أمامة لمّا جئت زائرها ... عنّي بمطروفة إنسانها غرق «2»
وراعها الشيب في رأسي فقلت لها ... كذاك يصفرّ بعد الخضرة الورق
وقال محمد بن أمية:
رأين الغواني الشّيب لاح بعارضي ... فأعرضن عنّي بالخدود النّواضر
وكنّ إذا أبصرنني أو سمعن بي ... دنون فرقّعن الكوي بالمحاجر «3»
وقال العلوي:
عيّرتني بشيب رأسي نوار ... يا بنة العمّ ليس في الشيب عار
إنما العار في الفرار من الزّح ... ف إذا قيل أين أين الفرار
ومن قولنا في الشيب:
بدا وضح الشيب على عذاري ... وهل ليل يكون بلا نهار
شريت سواد ذا ببياض هذا ... فبدّلت العمامة بالخمار
وألبسني النّهى ثوبا جديدا ... وجرّدني من الثّوب المعار
وما بعت الهوى بيعا بشرط ... ولا استثنيت فيه بالخيار
ومن قولنا فيه:
قالوا شبابك قد ولّى فقلت لهم ... هل من جديد على كرّ الجديدين
صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين إلفين
واقطع حبائل خدن لا تلائمه ... فربما ضاقت الدّنيا على اثنين
ومن قولنا فيه:
جار المشيب على رأسي فغيرّه ... لما رأى عندنا الحكام قد جاروا
كأنّما جنّ ليل في مفارقه ... فاعتاقه من بياض الصّبح إسفار «1»
ومن قولنا فيه:
سواد المرء تنفده الليالي ... وإن كانت تصير إلى نفاد
فأسوده يعود إلى بياض ... وأبيضه يعود إلى سواد
ومن قولنا أيضا:
أطلال لهوك قد أقوت مغانيها ... لم يبق من عهدها إلا أثافيها «2»
هذي المفارق قد قامت شواهدها ... على فنائك والدّنيا تزكّيها
الشّيب سفتجة فيها معنونة ... لم يبق للموت إلّا أن يسجّيها «3»
ومن قولنا أيضا:
نجوم في المفارق ما تغور ... ولا يجري بها فلك يدور
كأنّ سواد لمّته ظلام ... أغار من المشيب عليه نور
ألا إنّ القتير وعيد صدق ... لنا لو كان يزجرنا القتير «1»
نذير الموت أرسله إلينا ... فكذّبنا بما جاء النّذير
وقلنا للنّفوس لعلّ عمرا ... يطول بنا وأطوله قصير
متى كذبت مواعدها وخانت ... فأوّلها وآخرها غرور
لقد كاد السّلو يميت شوقي ... ولكن قلّما فطم الكبير
كأني لم أرق بل لم يرقني ... شموس في الأكلّة أو بدور
ولم ألق المنى في ظلّ لهو ... بأقمار سحائبها السّتور
ولآخر:
والشيب تنغيص الصّبا ... فاقض اللبانة في الشباب «2»
وقال ابن عباس: الدنيا الصحة والشباب.
ولبعضهم:
في كلّ يوم أرى بيضاء قد طلعت ... كأنّما طلعت في ناظر البصر
لئن قصصتك بالمقراض عن نظري ... لما قصصتك عن همّي ولا فكري
ولابن المعتز:
جاء المشيب فما تعست به ... ومضى الشباب فما بكاي عليه
وقال أيضا:
ماذا تريدين من جهلي وقد غبرت ... سنوّ شبابي وهذا الشيب قد وخطا «3»
أرقع الشعرة البيضاء ملتقطا ... فيصبح الشيب للسوداء ملتقطا
وسوف لا شك يعييني فأتركه ... فطالما أعمل المقراض والمشطا












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید