المنشورات

الجبان وما يذم من أخلاقه

منه قولهم: إنّ الجبان حتفه من فوقه. وهو قول عمر بن مامة:
لقد وجدت الموت قبل ذوقه ... إنّ الجبان حتفه من فوقه
قال أبو عبيد: أحسبه أراد أن حذره وتوقّيه ليس بدافع عنه المنيّة. وهذا غلط من أبي عبيد عندي، والمعنى فيه أنه وصف نفسه بالجبن، وأنه وجد الموت قبل يذوقه، وهذا من الجبن، ثم قال: إنّ الجبان حتفه من فوقه يريد أنه نظر إلى منيته كأنما تحوم على رأسه.
كما قال تبارك وتعالى في المنافقين إذ وصفهم بالجبن: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ
«1» .
وقال جرير للأخطل يعيّره إيقاع قيس بهم:
حملت عليك رجال قيس خيلها ... شعثا عوابس تحمل الأبطالا
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم ... خيلا تكر عليكم ورجالا
ولو كان الأمر كما ذهب إليه أبو عبيد ما كان معناه يدخل في هذا الباب؛ لأنه باب الجبان وما يذم من أخلاقه، وليس الأخذ في الحذر من الجبن في شيء، لأن أخذ الحذر محمود وقد أمر الله به، والجبن مذموم من كل وجه.
ومنه الشعر الذي تمثّل به سعد بن معاذ يوم الخندق:
لبّث قليلا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
ومنه قولهم: كلّ أزبّ نفور. وإنما يقال في الأزبّ من الإبل لكثرة شعره، ويكون ذلك في عينيه، فكلما رآه ظنّ أنه شخص يطلبه فينفر من أجله.
ومنه قولهم: بصبصن «1» إذ حدين بالأذناب.
ومنه قولهم:
دردب «2» لمّا عضّه الثقاف «3»
وقولهم: حال الجريض «4» دون القريض. وهذا المثل لعبيد بن الأبرص، قاله للنعمان بن المنذر بن ماء السماء حين أراد قتله فقال له: أنشدني شعرك.
أقفر من أهله ملحوب «5»
فقال عبيد: حال الجريض دون القريض.
ومنه: قفّ شعره، واقشعرّت ذؤابته. معناه قام شعره من الفزع.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید