المنشورات

أمثال مستعملة في الشعر

قال الأصمعي: لم أجد في شعر شاعر بيتا أوّله مثل وآخره مثل إلا ثلاثة ابيات:
منها بيت الحطيئة:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وبيتان لامرىء القيس:
وأفلتهنّ علباء جريضا «1» ... ولو أدركنه صفر الوطاب
وقاهم جدّهم ببني أبيهم ... وبالأشقين ما كان العقاب
ومثل هذا كثير في القديم والحديث، ولا أدري كيف أغفل القديم منه الأصمعي.
فمنه قول طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
وفي هذا مثلان من أشرف الأمثال. ويقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع هذا البيت، فقال: «إن معناه من كلام النبوّة» ؛ ومن ذلك قول الآخر:
ما كلّف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد
ومن ذلك قول الحسن بن هانيء:
أيها المنتاب عن عقره ... لست من ليلي ولا سمره
لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المرّ من ثمره
إن العرب تقول: انتاب فلان عن عقره: أي تباعد عن أصله. لست من ليلي ولا سمره: مثل ثان، وليس في البيت الثاني إلا مثل واحد.
ومن قولنا في بيت أوّله مثل وآخره مثل:
قد صرّح الأعداء بالبين ... وأشرق الصبح لذي العين
وبعده أبيات في كل بيت منها مثل، وذلك قولنا:
وعاد من أهواه بعد القلى ... شقيق روح بين جسمين «2»
وأصبح الداخل في بيننا ... كساقط بين فراشين
قد ألبس البغضاء من ذا وذا ... لا يصلح الغمد لسيفين
ما بال من ليست له حاجة ... يكون أنفا بين عينين
ومن قولنا الذي هو أمثال سائرة:
قالوا شبابك قد ولّى فقلت لهم ... هل من جديد على كرّ الجديدين
صل من هويت وإن أبدى معاتبة ... فأطيب العيش وصل بين إلفين
واقطع حبائل خلّ لا تلائمه ... فربما ضاقت الدنيا على اثنين»
وقلت بعد هذا في المدح:
فكّرت فيك أبحر أنت أم قمر ... فقد تحيّر فكري بين هذين
إن قلت بحرا وجدت البحر منحسرا ... وبحر جودك ممتدّ العبابين
أو قلت بدرا رأيت البدر منتقصا ... فقلت شتّان ما بين البديرين
ومن الأمثال التي لم تأت إلا في الشعر أو في قليل من الكلام، من ذلك قول الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إنّ السفينة لا تجري على اليبس
وقال آخر:
متى تنقضي حاجات من ليس صابرا ... على حاجة حتى تكون له أخرى
قيل ولما بلغ حاتما قول المتلمّس:
وأعلم علم صدق غير ظنّ ... لتقوى الله من خير العتاد
وحفظ المال أيسر من بغاه ... وسير في البلاد بغير زاد «2»
وإصلاح القليل يزيد فيه ... ولا يبقى الكثير مع الفساد
قال: قطع الله لسانه! يحمل الناس على البخل؛ ألا قال:
لا الجود يفني المال قبل فنائه ... ولا البخل في مال الشحيح يزيد
فلا تلتمس مالا بعيش مقتّر ... لكل غد رزق يعود جديد «3»
وقال غيره:
إذا كنت لا أعفو عن الذنب من أخ ... وقلت أكافيه فأين التفاضل
فإن أقطع الإخوان في كل عسرة ... بقيت وحيدا ليس لي من أواصل
ولكنني أغضي الجفون على القذى ... وأصفح عما رابني وأجامل
متى ما يربني مفصل فقطعته ... بقيت ومالي للنهوض مفاصل
ولكن أداويه فإن صحّ سرّني ... وإن هو أعيا كان فيه التجامل
وقال:
يديفون لي سمّا وأسقيهم الحيا ... ويقرونني شرا وشري مؤخّر «1»
كأني سلبت القوم نور عيونهم ... فلا العذر مقبول ولا الذنب يغفر
وقد كان إحساني لهم غير مرة ... ولكن إحسان البغيض مكفّر «2»
ولغيره:
لم يبق من طلب الغنى ... إلا التعرّض للحتوف
فلأقبلنّ وإن رأيت ... الموت يلمع في الصفوف
إني امرؤ لم أوت من ... أدب ولا حظّ سخيف
لكنه قدر يزو ... ل من القويّ إلى الضعيف










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید