المنشورات

مواعظ الحكماء

لعلي:
قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أوصيكم بخمس لو ضربت عليها آباط «1» الإبل لكان قليلا: لا يرجونّ أحدكم إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، وإذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه. واعلموا أنّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس ذهب الجسد.
وقال أيضا: من أراد الغنى بغير مال، والكثرة بلا عشيرة، فليتحوّل من ذل المعصية إلى عزّ الطاعة؛ أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
للحسن:
وقال الحسن: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن خاف الناس أخافه الله من كل شيء.
لبعضهم:
وقال بعضهم: من عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أخلص سريرته أصلح الله علانيته.
كلمات أربع للعرب والعجم:
قال العتبي: اجتمعت العرب والعجم على أربع كلمات، قالوا: لا تحملن على قلبك ما لا تطيق، ولا تعملن عملا ليس لك فيه منفعة، ولا تثق بامرأة، ولا تغتر بمال وإن كثر.
لأبي بكر في موته يوصي عمر:
وقال أبو بكر الصدّيق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عند موته حين استخلفه: أوصيك بتقوى الله؛ فإنّ لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل؛ وإنه لا يقبل نافلة «1» حتى تؤدّى الفرائض. وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحق وثقله عليهم؛ وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا. وإنما خفت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفّته عليهم؛ وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا. وإن الله ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا سمعت بهم قلت: إني أخاف ألّا أكون من هؤلاء. وذكر أهل النار بأقبح أعمالهم، وأمسك عن حسناتهم؛ فإذا سمعت بهم قلت: أنا خير من هؤلاء وذكر آية الرحمة مع آية العذاب:
ليكون العبد راغبا راهبا، لا يتمنى على الله غير الحق. فإذا حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحبّ إليك من الموت، وهو آتيك؛ وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن غائب أكره إليك من الموت، ولن تعجزه.
الحسن وابن الأهتم:
ودخل الحسن بن أبي الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه؛ فرآه يصوّب بصره في صندوق في بيته ويصعّده، ثم قال: أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤدّ منها زكاة ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمك! ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان؛ وجفوة السلطان؛ ومكاثرة العشيرة. قال: ثم مات، فشهده الحسن. فلما فرغ من دفنه قال: انظروا إلى هذا المسكين! أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته، عما رزقه الله إياه وغمره فيه؛ انظروا كيف خرج منها مسلوبا محزونا، ثم التفت إلى الوارث فقال: أيها الوارث، لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا. أتاك عفوا صفوا، ممن كان له جموعا منوعا؛ من باطل جمعه، ومن حق منعه؛ قطع فيه لجج «2» البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إن يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإن من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك. فيالها عثرة لا تقال. وتوبة لا تنال.
لحكيم يعظ قوما:
ووعظ حكيم قوما فقال: يا قوم، استبدلوا العوارى «1» بالهبات تحمدوا العقبى، واستقبلوا المصائب بالصبر تستحقوا النّعمى، واستديموا الكرامة بالشكر تستوجبوا الزيادة. واعرفوا فضل البقاء في النعمة والغنى في السلامة قبل الفتنة الفاحشة، والمثلة «2» البينة، وانتقال العمل، وحلول الأجل؛ فإنما أنتم في الدنيا أغراض المنايا، وأوطان البلايا، ولن تنالوا نعمة إلا بفراق أخرى، ولا يستقبل منكم معمّر يوما من عمره إلا بانتقاص آخر من أجله، ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر، فأنتم أعوان الحتوف على أنفسكم، وفي معاشكم أسباب مناياكم، لا يمنعكم شيء منها، ولا يشغلكم شيء عنها، فأنتم الأخلاف بعد الأسلاف، وستكونون أسلافا بعد الأخلاف، بكل سبيل منكر صريع منعفر، وقائم ينتظر، فمن أي وجه تطلبون البقاء، وهذان الليل والنهار لم يرفعا شيئا قط إلا أسرعا الكرة في هدمه، ولا عقدا أمرا إلا رجعا في نقضه.
لأبي الدرداء:
وقال أبو الدّرداء: يا أهل دمشق، مالكم تبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تدركون، وتجمعون ما لا تأكلون؟ هذه عاد وثمود قد ملئوا ما بين بصرى وعدن أموالا وأولادا، فمن يشتري مني ما تركوا بدرهمين.
لابن شبرمة:
وقال ابن شبرمة: إذا كان البدن سقيما لم ينجع في الطعام ولا الشراب، وإذا كان القلب مغرما بحب الدنيا لم تنجع فيه الموعظة.
لابن خثيم:
وقال الربيع بن خثيم: أقلل الكلام إلا من تسع: تكبير، وتهليل، وتسبيح، وتحميد، وسؤالك الخير، وتعوّذك من الشر، وأمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر، وقراءتك القرآن.
لحكيم يعظ:
قال رجل لبعض الحكماء: عظني! قال: لا يراك الله بحيث نهاك، ولا يفقدك من حيث أمرك.
وقيل لحكيم: عظني! قال: جميع المواعظ كلّها منتظمة في حرف واحد. قال: وما هو؟ قال: تجمع على طاعة الله فإذا أنت قد حويت المواعظ كلها.
أبو جعفر وسفيان:
وقال أبو جعفر لسفيان: عظني! قال: وما عملت فيما علمت فأعظك فيما جهلت؟
الرشيد وابن السماك:
قال هارون لابن السمّاك: عظني! قال: كفى بالقرآن واعظا. يقول الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ
«1» .












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید