المنشورات

مواعظ الآباء للأبناء

للقمان يوصي ابنه:
قال لقمان لابنه: إذا أتيت مجلس قوم فارمهم بسهم السّلام ثم اجلس، فإن أفاضوا في ذكر الله فأجل «1» سهمك مع سهامهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتخلّ عنهم وانهض.
وقال: يا بنيّ؛ استعذ بالله من شرار الناس، وكن من خيارهم على حذر.
لأكثم:
ومثل هذا قول أكثم بن صيفي: احذر الأمين ولا تأتمن الخائن، فإن القلوب بيد غيرك.
للقمان يعظ ابنه:
وقال لقمان لابنه: لا تركن إلى الدنيا، ولا تشغل قلبك بها، فإنك لم تخلق لها، وما خلق الله خلقا أهون عليه منها، فإنه لم يجعل نعيمها ثوابا للمطيعين، ولا بلاءها عقوبة للعاصين. يا بني، لا تضحك من غير عجب، ولا تمش في غير أرب «2» ، ولا تسأل عما لا يعنيك. يا بني، لا تضيّع مالك وتصلح مال غيرك؛ فإنما لك ما قدمت،ولغيرك ما تركت. يا بني؛ إنه من يرحم يرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم. يا بني، زاحم العلماء بركبتيك، وأنصت إليهم بأذنيك، فإن القلب يحيا بنور العلماء كما تحيا الأرض الميتة بمطر السماء.
ابن صفوان ينصح ابنه:
وقال خالد بن صفوان لابنه: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا، أقلّ ما تكون في الباطن مآلا. ودع من أعمال السر ما لا يصلح لك في العلانية.
لأعرابي يوصي ابنه:
وقال أعرابي لابنه: يا بني، إنه قد أسمعك الداعي، وأعذر إليك الطالب، وانتهى الأمر فيك إلى حدّه؛ ولا أعرف أعظم رزية «1» ممن ضيّع اليقين وأخطأه الأمل.
لعلي بن الحسين يوصي ابنه:
وقال علي بن الحسين لابنه: وكان من أفضل بني هاشم: يا بني، اصبر على النوائب، ولا تعرّض للحتوف، ولا تجب أخاك من الأمر إلى ما مضرّته عليك أكثر من منفعته لك.
لحكيم في مثله:
وقال حكيم لبنيه: يا بنيّ؛ إياكم والجزع عند المصائب؛ فإنه مجلبة للهمّ، وسوء ظنّ بالرب، وشماتة للعدوّ. وإياكم أن تكونوا بالأحداث مغترين، ولها آمين، فإني والله ما سخرت من شيء إلا نزل بي مثله؛ فاحذروها وتوقّعوها. فإنما الإنسان في الدنيا غرض تتعاوره السهام، فمجاوز ومقصّر عنه، وواقع عن يمينه وشماله، حتى يصيبه بعضها. واعلموا أنّ لكل شيء جزاء، ولكل عمل ثوابا. وقد قالوا: كما تدين تدان؛ ومن برّ يوما برّ به.
لبعض الشعراء:
وقال الشاعر:
إذا ما الدهر جرّ على أناس ... حوادثه أناخ «1» بآخرينا
فقل للشامتين بنا: أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا
لحكيم يعظ ابنه:
وقال حكيم لابنه: يا بني إني موصيك بوصية؛ فإن لم تحفظ وصيتي عني لم تحفظها عن غيري. اتق الله ما استطعت. وإن قدرت أن تكون اليوم خيرا منك أمس، وغدا خيرا منك اليوم فافعل. وإياك والطمع، فإنه فقر حاضر. وعليك باليأس فإنك لن تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه. وإياك وما يعتذر منه، فإنك لن تعتذر من خير أبدا، وإذا عثر عاثر «2» فاحمد الله ألّا تكون هو يا بني، خذ الخير من أهله، ودع الشر لأهله، وإذا قمت إلى صلاتك فصلّ صلاة مودّع وأنت ترى ألّا تصلي بعدها.
لعلي بن الحسين في مثله:
وقال علي بن الحسين عليهما السّلام لابنه: يا بني، إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذّرني منك. واعلم أنّ خير الآباء للأبناء من لم تدعه المودّة إلى التفريط»
فيه، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق له «4» .
لحكيم في مثله:
وقال حكيم لابنه: يا بني، إن أشدّ الناس حسرة يوم القيامة: رجل كسب مالا من غير حلّه فأدخله النار، وأورثه من عمل فيه بطاعة الله فأدخله الجنة.
ابن عتبة وأبوه:
عمرو بن عتبة قال: لما بلغت خمس عشرة سنة قال لي أبي: يا بني؛ قد تقطعت عنك شرائع الصّبا فالزم الحياء تكن من أهله، ولا تزايله «1» فتبين منه؛ ولا يغرّنك من اغتر بالله فيك فمدحك بما تعلم خلافه من نفسك؛ فإنه من قال فيك من الخير ما لم يعلم إذا رضي، قال فيك من الشر مثله إذا سخط. فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء تسلم من غبّ عواقبهم.
لعبد الملك يوصي بنيه:
وقال عبد الملك بن مروان لبنيه: كفّوا الأذى، وابذلوا المعروف، واعفوا إذا قدرتم، ولا تبخلوا إذا سئلتم، ولا تلحفوا «2» إذا سألتم؛ فإنه من ضيّق ضيّق عليه، ومن أعطى أحلف الله عليه.
للأشعث في مثله:
وقال الأشعث بن قيس لبنيه: يا بنيّ، لا تذلّوا في أعراضكم، وانخدعوا في أموالكم؛ ولتخفّ بطونكم من أموال الناس، وظهوركم من دمائهم، فإنّ لكل امرىء تبعة «3» ؛ وإياكم وما يعتذر منه أو يستحى؛ فإنما يعتذر من ذنب، ويستحي من عيب؛ واصلحوا المال لجفوة السلطان وتغير الزمان، وكفوا عند الحاجة عن المسألة؛ فإنه كفى بالردّ منعا؛ وأجملوا في الطلب حتى يوافق الرزق قدرا؛ وامنعوا النساء من غير الأكفاء؛ فإنكم أهل بيت يتأسّى «4» بكم الكريم، ويتشرف بكم اللئيم، وكونوا في عوام الناس ما لم يضطرب الحبل «5» ، فإذا اضطرب الحبل فالحقوا بعشائركم.
من عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله:
وكتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله في غيبة غابها: أما بعد فإن من اتقى الله وقاه، ومن اتكل عليه كفاه، ومن شكر له زاده، ومن اقترضه جزاه. فاجعل التقوى عمارة قلبك، وجلاء بصرك. فإنه لا عمل لمن لا نيّة له، ولا خير لمن لا خشية له، ولا جديد لمن لا خلق له.
من علي إلى ابنه حسن:
وكتب علي بن أبي طالب إلى ولده الحسن عليهما السّلام: من عليّ أمير المؤمنين الوالد الفان، المقرّ للزمان، المستسلم للحدثان «1» ، المدبر العمر، المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام «2» ، ورهينة الأيام، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وأسير المنايا، وقرين الرزايا، وصريع الشهوات، ونصب الآفات، وخليفة الأموات. أما بعد؛ يا بني، فإن فيما تفكرت فيه من إدبار الدنيا عني، وإقبال الآخرة عليّ. وجموح الدهر عليّ ما يرغّبني عن ذكر سوائي، والاهتمام بما ورائي، غير أنه حيث تفرد بي همّ نفسي دون همّ الناس، فصدقني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرح بي محض أمري، فأفضى بي إلى جدّ لا يزرى به لعب، وصدق لا يشوبه كذب «3» ، ووجدتك يا بني بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأن شيئا لو أصابك لأصابني، وحتى كأن الموت لو أتاك أتاني. فعند ذلك عناني من أمرك ما عناني من أمر نفسي. كتبت إليك كتابي هذا يا بني مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت، فإني موصيك بتقوى الله، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله فإن الله تعالى يقول: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً
«4» . وأي سبب يا بني أوثق من سبب بينك وبين الله تعالى إن أنت أخذت به، أحى قلبك بالموعظة، ونوّره بالحكمة وأمته بالزهد، وذلّله بالموت وقوّه بالغنى عن الناس، وحذّره صولة الدهر؛ وتقلّب الأيام والليالي، واعرض عليه أخبار الماضين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر ما فعلوا، وأين حلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة. وكأنك عن قليل يا بني قد صرت كأحدهم، فبع دنياك بآخرتك، ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف، والأمر فيما لا تكلّف، وأمر بالمعروف بيدك ولسانك، وانه عن المنكر بيدك ولسانك، وباين «1» من فعله، وخض الغمرات إلى الحق، ولا يأخذك في الله لومة لائم، واحفظ وصيّتي ولا تذهب عنك صفحا، فلا خير في علم لا ينفع.
واعلم أنه لا غنى لك عن حسن الارتياد «2» مع بلاغك من الزاد، فإن أصبت من أهل الفاقة من يحمل عنك زادك فيوافيك به في معادك فاغتنمه، فإن أمامك عقبة كئودا «3» لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا فأجمل في الطلب، وأحسن المكتسب.
فرب طلب قد جرّ إلى حرب «4» . وإنما المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب يقينه. واعلم أنه لا غني يعدل الجنة؛ ولا فقر يعدل النار. والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته.
منه إلى ولده ابن الحنفية:
وكتب إلى ابنه محمد بن الحنفية: أن تفقّه في الدين، وعوّد نفسك الصبر على المكروه، وكل نفسك في أمورك كلّها إلى الله عز وجل، فإنك تكلها إلى كهف حريز، ومانع عزيز، وأخلص المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان وأكثر الاستخارة له، واعلم أنّ من كان مطيته الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان لا يسير، فإن الله تعالى قد أبى إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة، فإن قدرت أن تزهد فيها زهدك كله فافعل ذلك، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فاعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولا تعدو أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فأكرم نفسك عن كل دنيّة وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا، وإياك أن توجف «5» بك مطايا الطمع وتقول: متى ما أخّرت نزعت، فإن هذا أهلك من هلك قبلك، وأمسك عليك لسانك، فإن تلافيك ما فرط من صمتك، أيسر عليك من إدراك ما فات من منطقك، واحفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء، فحسن التدبير مع الاقتصاد أبقى لك من الكثير مع الفساد والحرفة «1» مع العفة خير من الغنى مع الفجور، والمرء أحفظ لسره، ولربما سعى فيما يضره، وإياك والاتكال على الأماني، فإنها بضائع النّوكى «2» ، وتثبّط عن الآخرة والأولى، ومن خير حظ الدنيا القرين الصالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم، ولا يغلبنّ عليك سوء الظن، فإنه لن يدع بينك وبين خليل صلحا. أذك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب، واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومن الكرم منع الحرم، ومن حلم ساد، ومن تفهم ازداد. امحض أخاك النصيحة «3» ، حسنة كانت أو قبيحة. لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، وليس جزاء من سرك أن تسوءه. الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، واعلم يا بني أنه مالك من دنياك إلا ما أصلحت به في مثواك، فأنفق من خيرك. ولا تكن خازنا لغيرك، وإن جزعت على ما يفلت من يديك، فاجزع على ما لم يصل إليك ربما أخطأ البصير قصده، وأبصر الأعمى رشده، ولم يهلك امرؤ اقتصد، ولم يفتقر من زهد. من ائتمن الزمان خانه ومن تعظم عليه أهانه. رأس الدين اليقين، وتمام الإخلاص اجتناب المعاصي، وخير المقال ما صدّقه الفعال. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، واحمل لصديقك عليك، واقبل عذر من اعتذر إليك، وأخرّ الشر ما استطعت، فإنك إذا شئت تعجلته. لا يكن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، وعلى الإساءة أقوى منك على الإحسان. لا تملّكنّ المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، فإنّ ذلك أدوم لحالها، وأرخى لبالها، واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك، وأكرم الذين بهم تصول، فإذا تطاولت «4» تطول. أسأل الله أن يلهمك الشكر والرشد: ويقويّك على العمل بكل خير، ويصرف عنك كل محذور برحمته. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید