المنشورات

كلام الزهاد وأخبار العباد

لبعض العباد:
قيل لقوم من العبّاد: ما أقامكم في الشمس؟ قالوا: طلب الظل.
لعلقمة الأسود:
قيل لعلقمة الأسود بن يزيد: كم تعذّب هذا الجسد الضعيف؟ قال: لا تنال الراحة إلا بالتعب.
لآخر:
وقيل لآخر: لو رفقت بنفسك! قال: الخير كلّه فيما أكرهت النفوس عليه، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «حفّت الجنّة بالمكاره» .
مسروق الأجدع:
وقيل لمسروق بن الأجدع: لقد أضررت ببدنك. قال: كرامته أريد. وقالت له امرأته فيروز لما رأته لا يفطر من صيام ولا يفتر من صلاة «1» : ويلك يا مسروق! أما يعبد الله غيرك، أما خلقت النار إلا لك؟ قال لها: ويحك يا فيروز! إن طالب الجنة لا يسأم، وهارب النار لا ينام.
أبو الدرداء وزوجه:
وشكت أم الدرداء إلى أبي الدرداء الحاجة، فقال لها: تصبّري، فإن أمامنا عقبة كئودا «1» لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا.
أبو حازم:
ومر أبو حازم بسوق الفاكهة، فقال: موعدك الجنة.
ومر بالجزارين، فقالوا له: يا أبا حازم، هذا لحم سمين فاشتر. قال: ليس عندي ثمنه. قالوا نؤخرك. قال: أنا أؤخر نفسي.
وكان رجل من العبّاد يأكل الرّمّان بقشره، فقيل له: لم تفعل هذا؟ فقال إنما هو عدوّ فأثخن «2» فيه ما أمكنك.
علي بن الحسين:
وكان عليّ بن الحسين عليهما السّلام إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فسئل عن ذلك، فقال: ويحكم! أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي؟
يونس بن عبيد:
وقال رجل ليونس بن عبيد: هل تعلم أحدا يعمل بعمل الحسن «3» ؟ قال: لا والله ولا أحدا يقول بقوله.
لمحمد بن علي:
وقيل لمحمد بن علي بن الحسين أو لعليّ بن الحسين عليهم السّلام: ما أقلّ ولد أبيك؟ قال: العجب كيف ولدت له وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرغ للنساء؟ وحج خمسا وعشرين حجة راجلا.
ابن المسيب وامرأة:
ولما ضرب سعيد بن المسيب وأقيم للناس قالت له امرأة: لقد أقمت مقام خزية! فقال: من مقام الخزية فررت.
لابن دينار في قحط:
وشكا الناس إلى مالك بن دينار القحط. فقال: أنتم تستبطئون المطر وأنا أستبطىء الحجارة!
لابن عياض في مثله:
وشكا أهل الكوفة إلى الفضيل بن عياض القحط. فقال: أمدبّرا غير الله تريدون؟
لأبي حنيفة في السختياني:
وذكر أبو حنيفة أيوب السّختياني. فقال: رحمه الله تعالى- ثلاثا- لقد قدم المدينة مرة وأنا بها فقلت: لأقعدن إليه لعلّي أتعلق منه بسقطة. فقام بين يدي القبر مقاما ما ذكرته إلا اقشعرّ له جلدي.
ابن أبي رباح:
وقيل لاهل مكة: كيف كان عطاء بن أبي رباح فيكم؟ قالوا: كان مثل العافية التي لا يعرف فضلها حتى تفقد. وكان عطاء أفطس «1» أسود أشل أعرج ثم عمي وأمه سوداء تسمى بركة.
الأوقص المخزومي:
وكان الأوقص المخزومي قاضيا بمكة، فما رؤى مثله في عفافه وزهده؛ فقال يوما لجلسائه: قالت لي أمي: يا بني، إنك خلقت خلقة لا تصلح معها لمجامعة الفتيان عند القيان؛ فعليك بالدين؛ فإن الله يرفع به الخسيسة، ويتم به النقيصة، فنفعني الله تعالى بكلامها وأطعتها فوليت القضاء.
بين ابن واسع وابن دينار:
الفضيل بن عياض قال: اجتمع محمد بن واسع ومالك بن دينار في مجلس بالبصرة، فقال مالك بن دينار: ما هو إلا طاعة الله أو النار. فقال محمد بن واسع ما هو كما تقول، ليس إلا عفو الله أو النار. قال مالك: صدقت. ثم قال مالك: إنه يعجبني أن يكون للرجل معيشة قدر ما يقوته. قال محمد بن واسع: ما هو إلا كما تقول، ولكن يعجبني أن يصبح الرجل وليس له غداء، ويمسي وليس له عشاء، وهو مع ذلك راض عن الله عز وجل. قال مالك: ما أحوجني إلى أن يعلمني مثلك.
لابن مهدي في بعض العباد:
جعفر بن سليمان قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما رأيت أحدا أقشف «1» من شعبة، ولا أعبد من سفيان الثوري، ولا أحفظ من ابن المبارك. وما أحب أن ألقى الله بصحيفة أحد إلا بصحيفة بشر بن منصور، مات ولم يدع قليلا ولا كثيرا.
بشر بن منصور على فراش الموت:
عبد الأعلى بن حماد قال: دخلت على بشر بن منصور وهو في الموت، فإذا به من السرور في أمر عظيم؛ فقلت له: ما هذا السرور؟ قال: سبحان الله! أخرج من بين الظالمين والباغين والحاسدين والمغتابين، وأقدم على أرحم الراحمين ولا أسر.
الرشيد وعابد بمكة:
حج هارون الرشيد، فبلغه عن عابد بمكة مجاب الدعوة معتزل في جبال تهامة فأتاه هارون الرشيد فسأله عن حاله ثم قال له: أوصني ومرني بما شئت، فواد لا عصيتك! فسكت عنه ولم يرد عليه جوابا؛ فخرج عنه هارون، فقال له أصحابه ما منعك إذا سألك أن تأمره بما شئت وحلف ألّا يعصيك أن تأمره بتقوى الله والإحسان إلى رعيته؟ فخط لهم في الرمل: إني أعظمت الله أن يكون يأمره فيعصيه، وآمره أنا فيطيعني.
سفيان الثوري:
علي بن حمزة ابن أخت سفيان الثوري قال: لما مرض سفيان مرضه الذي مات فيه ذهبت ببوله إلى ديراني، فأريته إياه فقال: ما هذا ببول حنيفي. قلت: بلى والله من خيارهم. قال: فأنا أذهب معك إليه، قال: فدخل عليه وجس عرقه، فقال: هذا رجل قطع الحزن كبده.
ابن سيرين:
مؤرّق العجلي قال: ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين، ولقد قال يوما: ما غشيت امرأة قط في نوم ولا يقظة، إلا امرأتي أم عبد الله فإني أرى المرأة في النوم؛ فأعلم أنها لا تحلّ لي فأصرف «1» بصري عنها.
بعض العباد:
الأصمعي عن ابن عون قال: رأيت ثلاثة لم أر مثلهم: محمد بن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام.
العتبي قال: سمعت أشياخنا يقولون، انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبد القيس، والحسن بن أبي الحسن البصري، وهرم بن حبان، وأبي مسلم الخولاني، وأويس القرني، والربيع بن خثيم ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید