المنشورات

الموت

بين النبي صلّى الله عليه وسلم وابن الخطاب:
قال النبي صلّى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضوان الله عليه: «ما عندك من ذكر الموت أبا حفص؟» قال: أمسي فما أرى أنّي أصبح، وأصبح فما أرى أني أمسي! قال: «الأمر أوشك من ذلك أبا حفص، أما إنه يخرج عني نفسي فما أرى أنه يعود إليّ!» وقال عبد الله بن شدّاد: أرى داعي الموت لا يقلع، ومن مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع «2» .
وقال الحسن: ابن آدم، إنما أنت عدد، فإذا مضى يومك فقد مضى بعضك.
وقال أبو العتاهية:
الناس في غفلاتهم ... ورحى المنيّة تطحن
وقال عمر بن عبد العزيز: من أكثر من ذكر الموت اكتفى باليسير، ومن علم أن الكلام عمل: قلّ كلامه إلا فيما ينفع.
وكان أبو الدرداء إذا رأى جنازة قال: اغدي «1» فإنا رائحون، أو روحي «2» فإنا غادون.
وقال رجل للحسن: مات فلان فجأة. فقال: لو لم يمت فجأة لمرض فجأة ثم مات.
وقال يعقوب صلوات الله عليه للبشير الذي أتاه بقميص يوسف: ما أدري ما أثيبك به، ولكن هوّن الله عليك سكرات الموت.
ابن العلاء وجرير:
وقال أبو عمرو بن العلاء: لقد جلست إلى جرير وهو يملي على كاتبه:
ودّع أمامة حان منك رحيل
ثم طلعت جنازة فأمسك وقال: شيّبتني هذه الجنازة. قلت: فلم تساب الناس؟ قال:
يبدءونني ثم لا أعفو، وأعتدي ولا أبتدي. ثم أنشأ يقول:
تروّعنا الجنائز مقبلات ... فنلهو حين تذهب مدبرات
كروعة ثلّة لمغار سبع ... فلما غاب عادت راتعات «3»
وقالوا: من جعل الموت بين عينيه، لها عما في يديه.
وقالوا: اتخذ نوح بيتا من جصّ، فقيل: لو بنيت ما هو أحسن من هذا! قال:
هذا كثير لمن يموت.
لأمية:
وأحكم بيت قالته العرب في وصف الموت، بيت أمية بن أبي الصلت حيث يقول:
يوشك من فرّ من منيّته ... في بعض غرّاته يوافقها
من لم يمت عبطة يمت هرما ... للموت كاس والمرء ذائقها «1»
لأصبغ في عابد:
وقال أصبغ بن الفرج، كان بنجران عابد يصيح في كل يوم صيحتين بهذين البيتين:
منع البقاء مطالع الشمس ... وغدوّها من حيث لا تمسي
وطلوعها حمراء قانية ... وغروبها صفراء كالورس»
اليوم يخبر ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه أمس
وقال آخر:
زيّنت بينك جاهلا وعمرته ... ولعلّ صهرك صاحب البيت
من كانت الأيام سائرة به ... فكأنه قد حلّ بالموت!
والمرء مرتهن بسوف وليتني ... وهلاكه في السّوف والّليت
لله درّ فتى تدبّر أمره ... فغدا وراح مبادر الموت
وقال صريع الغواني:
كم رأينا من أناس هلكوا ... قد بكوا أحبابهم ثم بكوا
تركوا الدّنيا لمن بعدهم ... ودّهم لو قدّموا ما تركوا
كم رأينا من ملوك سوقة ... ورأينا سوقة قد ملكوا
وقال الصّلتان العبديّ:
أشاب الصّغير وأفنى الكبير ... كرّ الغداة ومرّ العشي «1»
إذا ليلة هزمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي
وكان سفيان بن عيينة يستحسن قول عدي بن زيد:
أين أهل الدّيار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدها وثمود
بينما هم على الأسرّة والأنماط ... أفضت إلى التراب الخدود
وصحيح أمسى يعود مريضا ... وهو أدنى للموت ممن يعود
ثم لم ينقض الحديث ولكن ... بعد ذا كلّه وذاك الوعيد
وقال أبو العتاهية في وصف الموت:
كأنّ الأرض قد طويت عليّا ... وقد أخرجت مما في يديّا
كأني صرت منفردا وحيدا ... ومرتهنا لديك بما عليّا
كأنّ الباكيات عليّ يوما ... ولا يغنى البكاء عليّ شيّا
ذكرن منيّتي فنعيت نفسي ... ألا أسعد أخيّك يا أخيّا
وقال:
ستخلق جدّة وتحول حال ... وعند الحقّ تختبر الرّجال
وللدّنيا ودائع في قلوب ... بها جرت القطيعة والوصال
تخوّف ما لعلّك لا تراه ... وترجوا ما لعلّك لا تنال
وقد طلع الهلال لهدم عمري ... وأفرح كلما طلع الهلال!
وله أيضا:
من يعش يكبر ومن يكبر يمت ... والمنايا لا تبالي من أتت
نحن في دار بلاء وأذى ... وشقاء وعناء وعنت «2»
منزل ما يثبت المرء به ... سالما إلّا قليلا إن ثبت
أيها المغرور ما هذا الصّبا ... لو نهيت النفس عنه لانتهت
رحم الله امرأ أنصف من ... نفسه إذ قال خيرا أو سكت
لابن عبد ربه:
ومن قولنا في ذكرت الموت:
من لي إذا جدت بين الأهل والولد ... وكان منّي نحو الموت قيس يدي «1»
والدّمع يهمل والأنفاس صاعدة ... فالدّمع في صبب والنّفس في صعد
ذاك القضاء الذي لا شيء يصرفه ... حتى يفرّق بين الرّوح والجسد
ومن قولنا فيه:
أتلهو بين باطية «2» وزير ... وأنت من الهلاك على شفير؟
فيامن غرّه أمل طويل ... يؤدّيه إلى أجل قصير
أتفرح والمنيّة كلّ يوم ... تريك مكان قبرك في القبور؟
هي الدّنيا فإن سرّتك يوما ... فإنّ الحزن عاقبة السرور
ستسلب كل ما جمّعت منها ... كعارية تردّ المعير
وتعتاض اليقين من التّظنّي ... ودار الحقّ من دار الغرور
ولأبي العتاهية:
وليس من منزل يأويه مرتحل ... إلّا وللموت سيف فيه مسلول
وله أيضا:
ما أقرب الموت منا ... تجاوز الله عنا
كأنه قد سقانا ... بكاسه حيث كنا
وله أيضا:
أؤمّل أن أخلّد والمنايا ... يثبن عليّ من كلّ النواحي
وما أدري أمسيت حيّا ... لعلّي لا أعيش إلى الصباح
وقال الغزّال:
أصبحت والله مجهودا على أمل ... من الحياة قصير غير ممتدّ
وما أفارق يوما من أفارقه ... إلّا حسبت فراقي آخر العهد
انظر إليّ إذا أدرجت في كفني ... وانظر إليّ إذا أدرجت في لحدي
واقعد قليلا وعاين من يقيم معي ... ممن يشيّع نعشي من ذوي ودّي
هيهات! كلّهم في شأنه لعب ... يرمي التراب ويحثوه على خدّي
وقال أبو العتاهية:
نعى لك ظلّ الشّباب المشيب ... ونادتك باسم سواك الخطوب
فكن مستعدّا لريب المنون ... فإنّ الذي هو آت قريب
وقبلك داوى الطّبيب المريض ... فعاش المريض ومات الطّبيب
يخاف على نفسه من يتوب ... فكيف ترى حال من لا يتوب؟
وله أيضا:
أخي ادّخر مهما استطعت ... ليوم بؤسك وافتقارك
فلتنزلنّ بمنزل ... تحتاج فيه إلى ادّخارك
وقال أبو الأسود الدؤلي:
أيها الآمل ما ليس له ... ربما غرّ سفيها أمله
ربّ من مات يمنّي نفسه ... حال من دون مناه أجله
والفتى المختال فيما نابه ... ربما ضاقت عليه حيله
قل لمن مثّل في أشعاره ... يهلك المرء ويبقى مثله «1»
نافس المحسن في إحسانه ... فسيكفيك سناء عمله
وقال عدي بن زيد العبادي:
أين كسرى كسرى الملوك أنوشر ... وان أم أين قبله سابور
وبنو الأصفر الكرام ملوك الرّ ... وم لم يبق منهم مذكور
أخو الحضرا إذ بناه وإذا دج ... لة تجبى إليه والخابورو «1»
شاده مرمرا وجلّله كل ... سا فللطّير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور
وتفكّر ربّ الخورنق إذ أص ... بح يوما وللهدى تفكير «2»
سرّه حاله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسّدير «3»
فارعوى قلبه فقال: وما غب ... طة حيّ إلى الممات يصير؟
ثم بعد الفلاح والملك والنّع ... مة وارتهم هناك القبور
ثم صاروا كأنهم ورق ج ... فّ فألوت به الصّبا والدّبور
وقال حريث بن جبلة العذرى:
يا قلب إنك في الأحياء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير
حتى متى أنت فيها مدنف وله ... لا يستفزّنك منها البدر والحور
قد بحت بالجهل لا تخفيه عن أحد ... حتى جرت بك أطلاق محاضير «4»
تريد أمرا فما تدري أعاجله ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير
فاستقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذا دارت مياسير
وبينما المرء في الأحياء مغتبطا ... والدهر في الرّمس تعفوه الأعاصير
حتى كأن لم يكن إلّا توهّمه ... والدهر في كلّ حاليه دهارير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحيّ مسرور
فذاك آخر عهد من أخيك إذا ... ما ضمّنت شلوه اللحد المحافير














مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید