المنشورات

أخت الوليد بن طريف في رثائه:

وقالت أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها الوليد بن طريف:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يريد العزّ إلّا من التقى ... ولا المال إلّا من قنا وسيوف «4»
ولا الذّخر إلا كلّ جرداء صلدم ... وكلّ رقيق الشّفرتين حليف «5»
فقدناه فقدان الرّبيع فليتنا ... فديناه من ساداتنا بألوف
خفيف على ظهر الجواد إذا عدا ... وليس على أعدائه بخفيف
عليك سلام الله وقفا فإنني ... أرى الموت وقاعا بكلّ شريف
وقال آخر يرثي آخاه:
أخ طالما سرني ذكره ... فقد صرت أشجى إلى ذكره
وقد كنت أغدو إلى قصره ... فقد صرت أغدو إلى قبره
وكنت أراني غنيّا به ... عن الناس لو مدّ في عمره
وكنت إذا جئته زائرا ... فأمري يجوز على أمره
وقالت الخنساء ترثي أخاها صخرا:
بكت عيني وعاودها قذاها ... بعوّار فما تقضى كراها «1»
على صخر وأيّ فتى كصخر ... إذا ما الغاب لم ترأم طلاها «2»
حلفت بربّ صهب معملات ... إلى البيت المحرّم منتهاها
لئن جزعت بنو عمرو عليه ... لقد رزئت بنو عمرو فتاها
له كف يشدّ بها وكف ... تجود فما يجفّ ثرى نداها
ترى الشّمّ الغطارف من سليم ... وقد بلّت مدامعها لحاها
أحاميكم ومطعمكم تركتم ... لدى غبراء منهدم رجاها
فمن للضيف إن هبّت شمال ... مزعزعة تناوئها صباها
وألجأ بردها الأشوال حدبا ... إلى الحجرات بادية كلاها «3»
هنالك لو نزلت بباب صخر ... قرى الأضياف شحما من ذراها
وخيل قد دلفت لها بخيل ... فدارت بين كبشيها رحاها «4»
تكفكف فضل سابغة دلاص ... على خيفانة خفق حشاها «5»
وقال كعب يرثي أخاه أبا المغوار:
تقول سليّمى: ما لجسمك شاحبا ... كأنك يحميك الطعام طبيب
فقلت: شجون من خطوب تتابعت ... عليّ كبار والزمان يريب
لعمري لئن كانت أصابت منيّة ... أخي، فالمنايا للرّجال شعوب «6»
فإني لباكيه، وإني لصادق ... عليه، وبعض القائلين كذوب
أخي ما أخي! لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللّقاء هيوب
أخ كان يكفيني وكان يعينني ... على نائبات الدّهر حين تنوب
هو العسل الماذيّ لينا وشيمة ... وليث إذا لاقى الرجال قطوب»
هوت أمّه ما يبعث الصبح غاديا ... وماذا يؤدّي الليل حين يؤوب «2»
كعالية الرّمح الرّدينيّ لم يكن ... إذا ابتدر الخير الرجال يخيب
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت ثانيا ... لعلّ أبا المغوار منك قريب
يجبك كما قد كان يفعل إنه ... بأمثاله رحب الذّراع أريب
وحدّثتماني أنما الموت في القرى ... فكيف وهذي هضبة وكثيب
فلو كانت الموتى تباع اشتريته ... بما لم تكن عنه النفوس تطيب
بعينيّ أو يمنى يديّ وخلتني ... أنا الغانم الجذلان حين يؤوب
لقد أفسد الموت الحياة وقد أتى ... على يومه علق إليّ حبيب «3»
أتى دون حلو العيش حتى أمرّه ... خطوب على آثارهنّ نكوب
فو الله لا أنساه ماذرّ شارق ... وما اهتزّ بي فرع الأراك قضيب
فإن تكن الأيام أحسنّ مرة ... إليّ لقد عادت لهنّ ذنوب
وقال امرؤ القيس يرثي إخوته:
ألا يا عين جودي لي شنينا ... وبكّي للملوك الذاهبينا
ملوك من بني صخر بن عمرو ... يقادون العشيّة يقتلونا
فلم تغسل رءوسهم بسدر ... ولكن في الدماء مزمّلينا
فلو في يوم معركة أصيبوا ... ولكن في ديار بني مرينا
وقال الأبيرد بن المعذّر الرّياحي يرثي أخاه بريدا:
تطاول ليلى لم أنمه تقلّبا ... كأن فراشي حال من دونه الجمر
أراقب من ليل التمام نجومه ... لدن غاب قرن الشمس حتى بدا الفجر
تذكّر علق بان منّا بنصره ... ونائله يا حبّذا ذلك الذّكن
فإن تكن الأيام فرّقن بيننا ... فقد عذرتنا في صحابته العذر
وكنت أرى هجرا فراقك ساعة ... ألا لا بل الموت التفرق والهجر
أحقا عباد الله أن لست لاقيا ... بريدا طوال الدهر مالألأ العفر «1»
فتى ليس كالفتيان إلا خيارهم ... من القوم جزل لا ذليل ولا غمر «2»
فتى إن هو استغنى تخرّق في الغنى ... وإن كان فقر لم يؤد متنه الفقر «3»
وسامي جسيمات الأمور فنالها ... على العسر حتى يدرك العسرة اليسر
ترى القوم في العزاء ينتظرونه ... إذا شتّ رأي القوم أو حزب الأمر «4»
فليتك كنت الحيّ في الناس باقيا ... وكنت أنا الميت الذي ضمّه القبر
فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السّنة الشهباء قلّ بها القطر «5»
كأن لم يصاحبنا بريد بغبطة ... ولم تأتنا يوما بأخباره البشر
لعمري لنعم المرء عالي نعيّه ... لنا ابن عرين بعد ما جنح العصر
تمضّت به الأخبار حتى تغلغلت ... ولم تثنه الأطباع عنا ولا الجدر «6»
فلما نعى الناعي بريدا تغوّلت ... بي الأرض فرط الحزن وانقطع الظهر «7»
عساكر تغشى النفس حتى كأنني ... أخو نشوة دارت بهامته الخمر
إلى الله أشكو في بريد مصيبتي ... وبثّي وأحزانا يجيش بها الصدر
وقد كنت أستعفي الإله إذا اشتكى ... من الأجر لي فيه وإن سرّني الأجر
وما زال في عينيّ بعد غشاوة ... وسمعي عما كنت أسمعه وقر
على أنني أقني الحياء وأتّقي ... شماتة أقدام عيونهم خزر «8»
فحّياك عني الليل والصبح إذ بدا ... وهوج من الأرواح غدوتها شهر
سقى جدثا لو أستطيع سقيته ... بأود فروّاه الرواعد والقطر «9»
ولا زال يسقي من بلاد ثوى بها ... ثبات إذا صاب الربيع بها نضر
حلفت برب الرافعين أكفّهم ... وربّ الهدايا حيث حلّ بها النجر «1»
ومجتمع الحجاج حيث تواقفت ... رفاق من الآفاق تكبيرها جأر
يمين امريء آلى وليس بكاذب ... وما في يمين بتّها صادق وزر
لئن كان أمسى ابن المعذّر قد ثوى ... بريد لنعم المرء غيّبه القبر
هو المرء للمعروف والدين والنّدي ... ومسعر حرب لا كهام ولا غمر «2»
أقام ونادى أهله فتحمّلوا ... وصرّمت الأسباب واختلف النّجر
فأيّ امريء غادرتم في بيوتكم ... إذا هي أمست لون آفاقها حمر
إذا الشول أمست وهي حدب ظهورها ... عجافا ولم يسمع لفحل لها هدر
كثير رماد القدر يغشى فناؤه ... إذا نودي الأيسار واحتضر الجزر
فتى كان يغلي اللحم نيئا ولحمه ... رخيص بكفّيه إذا تنزل القدر
يقسّمه حتى يشيع ولم يكن ... كآخر يضحي من غبيبته ذخر «3»
فتى الحيّ والأضياف إن روّحتهم ... بليل وزاد السّفر إن أرمل السّفر «4»
إذا أجهد القوم المطيّ وأدرجت ... من الضّمر حتى يبلغ الحقب الضّفر «5»
وخفت بقايا زادهم وتواكلوا ... وأكسف بال القوم مجهولة قفر
رأيت له فضلا عليهم بقوّة ... وبالعقر لما كان زادهم العقر
إذا القوم أسروا ليلهم ثم أصبحوا ... غدا وهو ما فيه سقاط ولا فتر «6»
وإن خشعت أبصارهم وتضاءلت ... من الأين جلّى مثل ما ينظر الصّقر
وإن جارة حلّت إليه وفى لها ... فباتت ولم يهتك لجارته ستر
عفيف عن السّوءات ما التبست به ... صليب فما يلفى بعود له كسر
سلكت سبيل العالمين فما لهم ... وراء الذي لاقيت معدى ولا قصر
وكلّ امرىء يوما ملاق حمامه ... وإن باتت الدّعوى وطال به العمر
وأبليت خيرا في الحياة وإنّما ... ثوابك عندي اليوم أن ينطق الشّعر
ليفدك مولى أو أخ ذو ذمامة ... قليل الغناء لا عطاء ولا نصر «1»
لشبل بن معبد البجلي:
أتى دون حلو العيش حتى أمرّه ... نكوب على آثارهنّ نكوب
تتابعن في الأحباب حتى أبدنهم ... فلم يبق منهم في الدّيار قريب
برتني صروف الدهر من كلّ جانب ... كما ينبري دون اللّحاء عسيب «2»
فأصبحت إلا رحمة الله مفردا ... لدى الناس صبرا والفؤاد كئيب
إذا ذرّ قرن الشمس علّلت بالأسى ... ويأوي إليّ الحزن حين يؤوب
ونام خليّ البال عنّي ولم أنم ... كما لم ينم عاري الفناء غريب
تضرّ به الأيام حتى كأنّه ... بطول الذي أعقبن وهو رقوب
فقلت لأصحابي وقد قذفت بنا ... نوى غربة عمّن نحبّ شطوب «3»
متى العهد بالأهل الذين تركتهم ... لهم في فؤادي بالعراق نصيب
فما ترك الطاعون من ذي قرابة ... إليه إذا حان الإياب نؤوب
فقد أصبحوا لا دارهم منك غربة ... بعيد، ولا هم في الحياة قريب
وكنت ترجّى أن تئوب إليهم ... فعالتهم من دون ذاك شعوب
مقادير لا يغفلن من حان يومه ... لهنّ على كلّ النّفوس رقيب
سقين بكأس الموت من حان حينه ... وفي الحيّ من أنفاسهنّ ذنوب «4»
وإنا وإيّاهم كوارد منهل ... على حوضه بالباليات نهيب
إليه تناهينا ولو حال دونه ... مياه وراء كلّهن شروب
فهوّن عنّي بعض وجدي أنّني ... رأيت المنايا تغتدي وتؤوب
ولسنا بأحيا منهم غير أنّنا ... إلى أجل ندعى له فنجيب
وإني إذا ما شئت لاقيت أسوة ... تكاد لها نفس الحزين تطيب
فتى كان ذا أهل ومال فلم يزل ... به الدهر حتى صار وهو حريب «1»
وكيف عزاء المرء عن أهل بيته ... وليس له في الغابرين حبيب
متى يذكروا يفرح فؤادي لذكرهم ... وتسجم دموع بينهنّ نحيب
دموع مراها الشّجو حتى كأنها ... جداول تجري بينهنّ غروب «2»
إذا ما أردت الصبر هاج لي البكا ... فؤاد إلى أهل القبور طروب
بكى شجوه ثم ارعوى بعد عوله ... كما واترت بين الحنين سلوب «3»
دعاها الهوى من سبقها فهي واله ... وردّت إليّ الآن فهي تحوب «4»
فوجدي بأهلي وجدها غير أنهم ... شباب يزينون النّدى ومشيب











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید