المنشورات

فضل العرب

يحيى بن عبد العزيز قال: حدّثنا أبو الحجاج رياح بن ثابت، قال: حدّثنا بكر بن خنيس، عن أبي الأحوص، عن أبي الحصين، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا سألتم الحوائج فاسألوا العرب؛ فإنها تعطى لثلاث خصال: كرم أحسابها، واستحياء بعضها من بعض، والمواساة لله» .
ثم قال: «من أبغض العرب أبغضه الله» .
ابن الكلبي قال: كانت في العرب خاصة عشر خصال لم تكن في أمة من الأمم:
خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد؛ فأما التي في الرأس: فالفرق، والسواك، والمضمضة، والاستنثار، «1» وقص الشارب؛ وأما التي في الجسد: فتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء؛ «2» وكان في العرب خاصة، القيافة؛ لم يكن في جميع الأمم أحد ينظر إلى رجلين أحدهما قصير والآخر طويل، أو أحدهما أسود والآخر أبيض، فيقول: هذا القصير ابن هذا الطويل، وهذا الأسود ابن هذا الأبيض، إلا في العرب.
لابن المقفع:
أبو العيناء الهاشمي عن القحذمي عن شبيب بن شيبة قال: كنا وقوفا بالمربد، وكان المربد مألف الأشراف، إذ أقبل ابن المقفع، فبششنا به وبدأناه بالسلام، فردّ علينا السلام، ثم قال: لو ملتم إلى دار نيروز وظلها الظليل، وسورها المديد، ونسيمها العجيب؛ فعودتم أبدانكم تمهيد الأرض، وأرحتم دوابّكم من جهد الثقل؛ فإن الذي تطلبونه لم تفاتوه، ومهما قضى الله لكم من شيء تنالوه! فقبلنا وملنا؛ فلما استقرّ بنا المكان قال لنا: أيّ الأمم أعقل؟ فنظر بعضنا إلى بعض؛ فقلنا: لعله أراد أصله من فارس. فقلنا: فارس. فقال: ليسوا بذلك؛ إنهم ملكوا كثيرا من الأرض، ووجدوا عظيما من الملك، وغلبوا على كثير من الخلق، ولبث فيهم عقد الأمر؛ فما استنبطوا شيئا بعقولهم، ولا ابتدعوا باقي حكم بنفوسهم. قلنا: فالروم. قال: أصحاب صنعة. قلنا:
فالصين. قال: أصحاب طرفة. قلنا: الهند. قال: أصحاب فلسفة. قلنا: السودان.
قال: شر خلق الله. قلنا: الترك. قال: كلاب ضالة. قلنا: الخزر. قال: بقر سائمة.
قلنا: فقل. قال: العرب. قال: فضحكنا.
قال: أما إني ما أردت موافقتكم، ولكن إذا فاتني حظي من النسبة، فلا يفوتني حظي من المعرفة؛ إن العرب حكمت على غير مثال مثل لها، ولا آثار أثرت؛ أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وأدم؛ يجود أحدهم بقوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة، ويفعله فيصير حجة، ويحسّن ما شاء فيحسن، ويقبّح ما شاء فيقبح؛ أدّبتهم أنفسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم؛ فلم يزل حباء الله فيهم وحباؤهم في أنفسهم، حتى رفع لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر، وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر على الخير فيهم ولهم؛ فقال تعالى: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
«1» فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم خصم؛ ودفع الحق باللسان أكبت للجنان.
ذو الرمة وعبد أسود:
ذكر الأصمعي عن ذي الرمة قال: رأيت عبدا أسود لبني أسد قدم علينا من شق اليمامة، وكان وحشيا؛ لطول تغرّبه في الإبل، وربما كان لقي الأكرة «2» فلا يفهم عنهم ولا يستطيع إفهامهم، فلما رآني سكن إليّ، ثم قال لي: يا غيلان، لعن الله بلادا ليس فيها عربيّ، وقاتل الله الشاعر حيث يقول:
حرّ الثرى مستغرب التراب
وما رأيت هذه العرب في جميع الناس إلا مقدار القرحة في جلد الفرس؛ ولولا أن الله رقّ عليهم فجعلهم في حشاه: لطمست هذه العجمان آثارهم، والله ما أمر الله نبيّه بقتلهم إلا لضنه بهم، ولا ترك قبول الجزية منهم إلا لتركها لهم.
الأكرة: جمع أكار، وهم الحرّاث. وقوله: جعلهم في حشاه، أي: استبطنهم.
يقول الرجل للعربي إذا استبطنه: خبأتك في حشاي وقال الراجز:
وصاحب كالدّمّل الممدّ ... جعلته في رقعة من جلدي
وقال آخر:
لقد كنت في قوم عليك أشحّة ... بحبّك إلا أنّ ما طاح طائح
يودّون لو خاطوا عليك جلودهم ... ولا يدفع الموت النّفوس الشّحائح











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید