المنشورات

سليمان وأعرابي:

ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك، فقال: أصابتك سماء في وجهك يا أعرابي؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، غير أنها سحاء طخياء «3» وطفاء؛ كأن هواديها الدّلاء، مرجحنّة النواحي، موصولة بالآكام، تكاد تمس هام الرجال؛ كثير زجلها، قاصف رعدها، خاطف برقها، حثيث ودقها، بطيء سيرها؛ مثعنجر قطرها، مظلم نوؤها؛ قد لجأت الوحش إلى أوطانها، تبحث عن أصوله بأظلافها، متجمعة بعد شتاتها؛ فلولا اعتصامنا يا أمير المؤمنين بعضاة الشجر، وتعلقنا بقنن الجبال، لكنا جفاء «4» في بعض الأودية ولقم «5» الطريق، فأطال الله للأمة بقاءك، ونسألها في أجلك، فهذا ببركتك وعادة الله بك على رعيتك، وصلى الله على سيدنا محمد. فقال سليمان: لعمر أبيك، لئن كانت بديهة لقد أحسنت وإن كانت محبرة لقد أجدت.
قال: بل محبرة مزوّرة يا أمير المؤمنين. قال: يا غلام أعطه؛ فو الله لصدقه أعجب إلينا من صفنه.
قيل لأعرابي: أي الألوان أحسن؟ قال: قصور بيض في حدائق خضر.
وقيل لآخر: أي الألوان أحسن؟ قال: بيضة «1» في روضة غبّ سارية والشمس مكبّدة «2» .
وقال أعرابي: لقد رأيت بالبصرة برودا كأنها صبغت بأنوار الربيع، فهي تروع واللابس لها أروع.
العتبي قال: سمعت أعرابيا يقول: مررت ببلد ألقى بها الصيّف «3» بعاعه، فأظهر غديرا يقصر الطرف عن أرجائه، وقد نفت الريح القذى عن مائه؛ فكأنه سلاسل درع ذات فضول.
وأنشد أبو عثمان الجاحظ لأعرابي:
أين إخواننا على السّرّاء ... أين أهل القباب والدهناء «4»
جاورنا والأرض ملبسة نو ... ر إقاح يجاد بالأنواء
كلّ يوم بأقحوان جديد ... تضحك الأرض من بكاء السماء












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید