المنشورات

أعرابي في الإعراب

لبعض الأعراب في معنى هذا العنوان:
الأصمعي قال: قلت لأعرابي: أتهمز إسرائيل؟ قال: إني إذا لرجل سوء! قلت له: أفتجرّ فلسطين؟ قال: إني إذا لقوي.
وسمع أعرابي إماما يقرأ: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، قال. ولا إن آمنوا أيضا، لا ننكحهم. فقيل له: إنه يلحن، وليس هذا يقرأ. فقال: أخّروه قبحه الله! ولا تجعلوه إماما؛ فإنه يحلّ ما حرّم الله.
وسمع أعرابي أبا المكنون النحوي وهو يقول في دعائه يستسقي: اللهم ربّنا وإلهنا وسيدنا ومولانا، صلّ على محمد نبينا؛ [اللهم] ومن أراد بنا سوءا فأحط ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الولائد، ثم أرسخه على هامسته كرسوخ السّجّيل «1» على هام أصحاب الفيل، اللهم اسقنا غيثا مريئا مريعا «2» مجلجلا «3» مسحنفرا «4» هزجا «5» سحّا سفوحا طبقا «6» غدقا مثعنجرا «7» صخبا نافعا لعامّتنا وغير ضارّ بخاصّتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نوح، [هذا] الطوفان وربّ الكعبة، دعني حتى آوي إلى جبل يعصمني من الماء.
الأصمعي قال: أصابت الأرض مجاعة؛ فلقيت رجلا منهم خارجا من الصحراء كأنه جذع محترق فقلت: أتقرأ في كتاب الله شيئا؟ قال: لا. قلت: فأعلمك؟ قال:
ما شئت. قلت: اقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
«8» . قال: كل يا أيها الكافرون.
قلت: [قل] قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ
كما أقول لك. قال: ما أجد لساني ينطق بذلك.
قال: ورأيت أعرابيا ومعه بنيّ له صغير ممسك بفم قربة، وقد خاف أن تغلبه القربة؛ فصاح: يا أبت، أدرك فاها، غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها!
قولهم في الدين
قال أعرابي: الدّين ذل بالنهار وهمّ بالليل.
وقال أعرابي في غرماء له يطلبونه بدين:
جاءوا إليّ غضابا يلغطون معا ... فقلت موعدكم دار ابن هبّار
وما أواعدهم إلّا لأدرأهم ... عني فيحرجني نقضي وإمراري «1»
وما جلبت إليهم غير راحلة ... تخدي برحلي وسيف جفنه عاري «2»
إنّ القضاء سيأتي دونه زمن ... فاطو الصحيفة واحفظها من النار
الأصمعي قال: كان لرجل من يحصب على رجل من باهلة دين؛ فلما حل دينه هرب الأعرابي وأنشأ يقول:
إذا حلّ دين اليحصبيّ فقل له ... تزوّد بزاد واستعن بدليل
سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا ... بقالي قلا أو من وراء دبيل «3»
قال الأصمعي: اختصم أعرابيان إلى بعض الولاة في دين لأحدهما على صاحبه؛ فجعل المدّعى عليه يحلف بالطلاق والعتاق، فقال له المدعي: دعني من هذه الأيمان واحلف بما أقوله لك: لا ترك الله لك خفا يتبع خفا ولا ظلفا يتبع ظلفا؛ وحتّك من أهلك ومالك حتّ «4» الورق من الشجر، إن لم يكن لي هذا الحق قبلك! فأعطاه حقه ولم يحلف له.
الهيثم بن عدي قال: يمين لا يحلف بها أعرابي أبدا: لا أورد الله لك صادرة، ولا أصدر لك واردة، ولا حططت رحلك، ولا خلعت نعلك.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید