المنشورات

بين عبد الله بن مسلم والحضين بن المنذر:

وتزعم الرواة أنّ قتيبة بن مسلم لما افتتح سمرقند أفضى إلى أثاث لم ير مثله، وإلى آلات لم ير مثلها، وأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم، ويعرّفهم أقدار القوم الذين ظهروا عليهم، فأمر بدار ففرشت وفي صحنها قدور أشتات ترتقى بالسلالم؛ فإذا الحصين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرقاشي قد أقبل والناس جلوس على مراتبهم، والحضين شيخ كبير؛ فلما رآه عبد الله بن مسلم قال لقتيبة: ائذن لي في كلامه. فقال: لا تردّه فإنه خبيث الجواب. فأبي عبد الله إلا أن يأذن له. وكان عبد الله يضعّف، «1» وكان قد تسوّر حائطا إلى امرأة قبل ذلك؛ فأقبل على الحضين فقال: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان؟ قال: أجل، ضعف عمّك عن تسوّر الحيطان! قال: أرأيت هذه القدور؟ قال: هي أعظم من أن لا ترى. قال: ما أحسب بكر بن وائل رأى مثلها. قال: أجل، ولا عيلان؛ ولو كان رآها سمّي شعبان، ولم يسمّ عيلان! قال له عبد الله: أتعرف الذي يقول:
عزلنا وأمّرنا، وبكر بن وائل ... تجرّ خصاها تبتغي من تحالف
قال: أعرفه وأعرف الذي يقول:
وخيبة من يخيب على غنيّ ... وباهلة بن يعصر والرّباب
يريد: يا خيبة من يخيب.
قال: أتعرف الذي يقول:
كأنّ فقاح الأزد حول ابن مسمع ... إذا عرقت أفواه بكر بن وائل «2»
قال: نعم، وأعرف الذي يقول:
قوم قتيبة أمّهم وأبوهم ... لولا قتيبة أصبحوا في مجهل
قال: أمّا الشعر فأراك ترويه، فهل تقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم، أقرأ منه الأكثر: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً
. «3» قال:
فأغضبه، فقال: والله لقد بلغني أنّ امرأة الحضين حملت إليه وهي حبلى من غيره! قال: فما تحرّك الشيخ عن هيئته الأولى؛ ثم قال على رسله: وما يكون؟ تلد غلاما على فراشي فيقال فلان بن الحضين، كما يقال عبد الله بن مسلم! فأقبل قتيبة على عبد الله فقال: لا يبعد الله غيرك! والحضين هذا هو الحضين بن منذر الرقاشي، ورقاش أمّهم، وهو من بني شيبان ابن بكر بن وائل، وهو صاحب لواء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بصفين على ربيعة كلها. وله يقول علي بن أبي طالب:
لمن راية سوداء يخفق ظلّها ... إذا قيل قدّمها حضين تقدّما
يقدّمها في الصفّ حتى يزيرها ... حياض المنايا تقطر السّمّ والدّما
جزى الله عني والجزاء بفضله ... ربيعة خيرا ما أعف وأكرما













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید