المنشورات

خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

وخطب عمر؛ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أيها الناس، من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني؛ فإن الله جعلني له خازنا وقاسما: إني باديء بأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمعطيهن، ثم المهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، أنا وأصحابي ثم بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، ثم من أسرع إلى الهجرة أسرع إليه العطاء، ومن أبطأ عن الهجرة أبطأ عن الهجرة أبطأ عنه العطاء، فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته. إني قد بقيت فيكم بعد صاحبي، فابتليت بكم وابتليتم بي، وإني لن يحضرني من أموركم شيء فأكله إلى غير أهل الجزاء والأمانة، فلئن أحسنوا لأحسننّ إليهم، ولئن أساءوا لأنكلنّ بهم.
وخطب أيضا فقال:
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه صلّى الله عليه وسلم، فهدانا به من الضلالة، وجمعنا به من الشتات، وألف بين قلوبنا، ونصرنا على عدونا، ومكن لنا في البلاد، وجعلنا به إخوانا متحابين؛ فاحمدوا الله على هذه النعمة، واسألوه المزيد فيها والشكر عليها، فإن الله قد صدقكم الوعد بالنصر على من خالفكم؛ وإياكم والعمل بالمعاصي وكفر النعمة، فقلما كفر قوم بنعمة ولم ينزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزّهم وسلّط عليهم عدوّهم.
أيها الناس: إن الله قد أعز دعوة هذه الأمة وجمع كلمتها وأظهر فلحها ونصرها وشرفها، فاحمدوه عباد الله على نعمه، واشكروه على آلائه؛ جعلنا الله وإياكم من الشاكرين.
وخطب فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
أيها الناس: تعلموا القرآن [تعرفوا به] ، واعملوا به تكونوا من أهله؛ واعلموا أنه لم يبلغ من حق مخلوق أن يطاع في معصية الخالق [ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، وإن استغنيت عففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم «1» البهمة الأعرابية] ، القضم «2» دون الخضم «3» .
وخطبة له أيضا:
أيها الناس: إنه قد أتى عليّ زمان وأنا أرى أن قراءة القرآن [إنما] تريدون به الله عز وجل وما عنده: [ألا وإنه قد] خيّل إليّ أن قوما قرءوه إذ يتنزل الوحي وإذ رسول الله بين أظهرنا ينبئنا من أخباركم؛ فقد انقطع الوحي وذهب النبي، فإنما نعرفكم بما أقول لكم؛ ألا من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه، ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه؛ سرائركم بينكم وبين ربكم؛ ألا وإني إنما أبعث عمالي ليعلّموكم دينكم وسنّتكم، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ويأخذوا أموالكم؛ ألا من رابه شيء من ذلك فليرفعه اليّ، فوالذي نفسي بيده لأقصّنّكم منه.
فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت أن بعثت عاملا من عمالك فأدب رجلا من رعيتك فضربه، أتقّصه منه؟
قال: نعم، والذي نفس عمر بيده لأقصنه منه؛ فقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقصّ من نفسه.
وخطب أيضا فقال: أيها الناس اتقوا الله في سريرتكم وعلانيتكم، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ولا تكونوا مثل قوم كانوا في سفينة فأقبل أحدهم على موضعه يخرقه، فنظر إليه أصحابه فمنعوه، فقال: هو موضعي ولي أن أحكم فيه، فإن أخذوا على يده سلم وسلموا، وإن تركوه هلك وهلكوا معه! وهذا مثل ضربته لكم. رحمنا الله وإياكم.
وخطب عام الرّمادة بالعباس رحمه الله:
حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه، ثم قال:
أيها الناس، استغفروا ربكم إنه كان غفارا، اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك اللهم إنا نتقرب إليك بعمّ نبيك وبقية آبائه وكبار رجال، فإنك تقول وقولك الحق وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً
«1» ؛ فحفظتهما لصلاح أبيهما؛ فاحفظ اللهم نبيّك في عمه؛ اللهم اغفر لنا إنك كنت غفارا، اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالّة، ولا تدع الكسيرة بمضيعة، اللهم قد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السرّ وأخفى؛ اللهم أغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
فما برحوا حتى علّقوا الحذاء، وقلصوا المآزر، وطفق الناس بالعباس يقولون:
هنيئا لك يا ساقي الحرمين.
وخطب إذ ولي الخلافة: 
صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا أيها الناس، إني داع فأمّنوا: اللهم إني غليظ فليّنّي لأهل طاعتك بموافقة الحق ابتغاء وجهك والدار الآخرة، وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة والنفاق، من غير ظلم مني لهم، ولا اعتداء عليهم؛ اللهم إني شحيح فسخّني في نوائب المعروف، قصدا من غير سرف ولا تبذير، ولا رياء ولا سمعة، واجعلني أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة؛ اللهم ارزقني خفض الجناح ولين الجانب للمؤمنين، اللهم إني كثير الغفلة والنسيان، فألهمني ذكرك على كل حال، وذكر الموت في كل حين؛ اللهم إني ضعيف عن العمل بطاعتك، فارزقني النشاط فيها والقوة عليها بالنية الحسنة التي لا تكون إلا بعونك وتوفيقك؛ اللهم ثبّتني باليقين والبرّ والتقوى، وذكر المقام بين يديك والحياء منك، وارزقني الخشوع فيما يرضيك عني؟ والمحاسبة لنفسي، وإصلاح الساعات، والحذر من الشبهات؛ اللهم ارزقني التفكر والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك، والفهم له، والمعرفة بمعانيه، والنظر في عجائبه، والعمل بذلك ما بقيت؛ إنك على كل شيء قدير.
وكان آخر كلام أبي بكر الذي إذا تكلم به عرف أنه قد فرغ من خطبته:
اللهم اجعل خير زماني آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك.
وكان آخر كلام عمر الذي إذا تكلم به عرف أنه فرغ من خطبته:
اللهم لا تدعني في غمرة، ولا تأخذني على غرّة، ولا تجعلني من الغافلين.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید