المنشورات

خطب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أول خطبة خطبها بالمدينة، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام ثم قال:
أيها الناس: كتاب الله وسنّة نبيكم صلّى الله عليه وسلم، أما بعد: فلا يدّعين مدّع إلا على نفسه، شغل من الجنة والنار أمامه. ساع نجا، وطالب يرجو، ومقصّر في النار:
[ثلاثة؛ واثنان] : ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بيده، لا سادس. هلك من ادّعى، وردي من اقتحم. اليمين والشمال مضلة، والوسطى والجادّة: منهج عليه أم الكتاب والسنة وآثار النبوة؛ إن الله داوى هذه الأمة بدواءين: السوط والسيف، فلا هوادة عند الإمام فيهما، استتروا ببيوتكم، وأصلحوا ذات بينكم؛ فالموت من ورائكم. من أبدى صفحته للحق هلك. قد كانت أمور لم تكونوا فيها محمودين. أما اني لو أشاء أن أقول لقلت. عفا الله عما سلف. سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب، همته بطنه، ويله! لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له! انظروا، فإن أنكرتم فأنكروا، وإن عرفتم فارووا. حق وباطل، ولكلّ أهل؛ ولئن أمر الباطل لقديما فعل، ولئن قل الحق لربما ولعل؛ ولقلما أدبر شيء فأقبل، ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء، وإني لأخشى أن تكونوا في فترة، وما علينا إلا الاجتهاد.
وروى فيها جعفر بن محمد رضوان الله عليه:
ألا إن الأبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغارا، وأعلم الناس كبارا؛ ألا وإنا أهل البيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا؛ فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، (وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا) معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق. ألا وبنا تدرك ترة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح وبنا فتح وبنا يختم.
وخطبة له أيضا:
حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته وتقديم العمل، وترك الأمل؛ فإنه من فرّط في عمله لم ينتفع بشيء من أمله، أين التّعب بالليل والنهار، المقتحم للجج البحار ومفاوز القفار، يسير من وراء الجبال وعالج الرمال «1» ، يصل الغدو بالرواح، والمساء بالصباح، في طلب محقرات الأرباح؛ هجمت عليه منيته، فعظمت بنفسه رزيته؛ فصار ما جمع بورا، وما اكتسب غرورا، ووافى القيامة محسورا:
أيها اللاهي الغارّ بنفسه، كأني بك وقد أتاك رسول ربك، لا يقرع لك بابا، ولا يهاب لك حجابا، ولا يقبل منك بديلا، ولا يأخذ منك كفيلا، ولا يرجم لك صغيرا، ولا يوقر فيك كبيرا، حتى يؤديك إلى قعر مظلمة، أرجاؤها موحشة، كفعله بالأمم الخالية والقرون الماضية! أين من سعى واجتهد؛ وجمع وعدّد، وبنى وشيّد؛ وزخرف ونجّد، وبالقليل لم يقنع، وبالكثير لم يمتع؟ أين من قاد الجنود، ونشر البنود؟ أضحوا رفاتا! تحت الثرى أمواتا، وأنتم بكأسهم شاربون، ولسبيلهم سالكون.
عباد الله! فاتقوا الله وراقبوه، واعملوا لليوم الذي تسير فيه الجبال، وتشقّق السماء بالغمام، وتطاير الكتب عن الأيمان والشمائل؛ فأي رجل يومئذ تراك؟ أقائل هاؤم اقرءوا كتابيه! أم: يا ليتني لم أوت كتابيه! نسأل من وعدنا بإقامة الشرائع جنته أن يقينا سخطه؛ إنّ أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وخطبة له أيضا: الحمد لله الذي استخلص الحمد لنفسه، واستوجبه على جميع خلقه، الذي ناصية كلّ شيء بيده، ومصير كل شيء إليه، القويّ في سلطانه، اللطيف في جبروته، لا مانع لما أعطى، ولا معطى لما منع، خالق الخلائق بقدرته، ومسخّرهم بمشيئته، وفيّ العهد، صادق الوعد، شديد العقاب، جزيل الثواب؛ أحمده وأستعينه على ما أنعم به مما لا يعرف كنهه غيره؛ وأتوكل عليه توكّل المتسلم لقدرته، المتبري من الحول والقوّة إليه؛ وأشهد شهادة لا يشوبها شك أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، إلها واحدا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليّ من الذل وكبّره تكبيرا، وهو على كل شيء قدير، قطع ادعاء المدّعي بقوله عز وجل: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
«1» . وأشهد أنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم صفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله بالمعروف آمرا. وعن المنكر ناهيا، وإلى الحق داعيا؛ على حين فترة من الرسل، وضلالة من الناس، واختلاف من الأمور، وتنازع من الألسن، حتى تمم به الوحي، وأنذر به أهل الأرض.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله؛ فإنها العصمة من كل ضلالة، والسبيل إلى كل نجاة؛ فكأنكم بالجثث قد زايلتها أرواحها، وتضمنها أجداثها، فلن يستقبل معمّر منكم يوما من عمره إلا بانتقاص آخر من أجله، وإنما دنياكم كفيء الظل أو زاد الراكب؛ وأحذركم دعاء العزيز الجبار عبده، يوم تعفي آثاره، وتوحش منه دياره، وييتم صغاره، ثم يصير إلى حفير من الأرض، متعفرا على خدّه، غير موسد ولا ممهد: أسأل الذي وعدنا على طاعته جنته، أن يقينا سخطه، ويجنّبنا نقمته، ويهب لنا رحمته. إنّ أبلغ الحديث كتاب الله.
وخطبة له رضي الله عنه:
أمّا بعد؛ فإنّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإنّ الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطّلاع، وإنّ المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل؛فمن أخلص في أيام أمله حضور أجله، نفعه عمله ولم يضره أمله؛ ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله وضره أمله؛ ألا فاعملوا لله في الرغبة كما تعملون له في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها، ولم أر كالنار نام هاربها؛ [ألا وإنه من لا ينفعه الحقّ يضرره الباطل، ومن لم يستقم به الهدى يجرّ به الضلال إلى الردى] ؛ ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن، ودللتم على الزاد، وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.
وخطبة له: قالوا ولما أغار سفيان بن عوف الأزدي على الأنبار في خلافة علي رضي الله عنه، وعليها [ابن] حسان البكري، فقتله وأزال تلك الخيل عن مسالحها «1» ، فخرج علي رضي الله عنه حتى جلس على باب السّدّة، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
أمّا بعد؛ فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل وشملة البلاء، وألزمه الصغار، وسامه الخسف، ومنعه النّصف»
؛ ألا وإني دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلّوا. فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليك قولي فاتخذتموه وراءكم ظهريا؛ حتى شنّت عليكم الغارات؛ وهذا أخو غامد قد بلغت خيله الأنبار، وقتل ابن حسان البكري؛ وأزال خيلكم عن مسالحها؛ وقتل منكم رجالا صالحين، وقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها وقلبها «3» ورعاثها «4» ، ثم انصرفوا وافرين ما كلم رجل منهم؛ فلو أنّ رجلا مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان عندي ملوما، بل كان به عندي جديرا؛ فواعجبا من جدّ هؤلاء في باطلهم وفشلكم عن حقكم؛ فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى؛ يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون؛ فإذا أمرتكم بالمسير إليهم في أيام الحرّ، قلتم: حمارّة القيظ؛ أملهنا حتى ينسلخ عنا الحرّ! وإذا أمرتكم بالمسير إليهم ضحى في الشتاء، قلتم:
[صبارّة القرّ] «1» أمهلنا حتى ينسلخ عنا هذا القرّ! كل هذا فرارا من الحرّ والقرّ؛ فأنتم والله من السيف أفرّ! يا أشباه الرجال ولا رجال! ويا أحلام «2» أطفال وعقول ربات الحجال! وددت أنّ الله أخرجني من بين أظهركم، وقبضني إلى رحمته من بينكم، وأني لم أركم ولم أعرفكم! معرفة والله جرّت وهنا! [لقد ملأتم قلبي قيحا] ووريتم والله صدري غيظا، وجرعتموني الموت أنفاسا، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب! لله أبوهم! وهل منهم أحد أشدّ لها مراسا وأطول تجربة مني؟ لقد مارستها وأنا ابن عشرين، فها أنا ذا الآن قد نيّفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع! وخطبة له رضي الله عنه، قام فيهم فقال:
أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم! كلامكم يوهي الصم الصّلاب وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم؛ تقولون في المجالس كيت وكيت؛ فإذا جاء القتال قلتم:
[حيدي] «3» حياد ما عزت دعوة من دعاكم؛ ولا استراح قلب من قاساكم؛ أعاليل بأباطيل؛ وسألتموني التأخير؛ دفاع ذي الدّين الممطول؛ ألا [لا] يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلا بالجدّ. أيّ دار بعد داركم تمنعون؟ أم مع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه؛ ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب! أصبحت والله لا أصدّق قولكم؛ ولا أطمع في نصرتكم؛ فرّق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم! وددت والله أن لي بكل عشرة منكم رجلا من بني فراس بن غنم، صرف الدينار بالدرهم! وخطب إذا استنفر أهل الكوفة لحرب الجمل، فأقبلوا إليه مع ابنه الحسن رضي الله عنهم، فقام فيهم خطيبا فقال: 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآخر المرسلين، أمّا بعد؛ فإنّ الله بعث محمدا عليه الصلاة والسلام إلى الثقلين كافة، والناس في اختلاف، والعرب بشرّ المنازل، مستضيئون للثاءات «1» بعضهم على بعض، فرأب الله به الثّأي، ولأم به الصدع، ورتق به الفتق، وأمّن به السبل، وحقن به الدماء، وقطع به العداوة الواغرة للقلوب، والضغائن المخشنة للصدور؛ ثم قبضه الله عز وجل مشكورا سعيه، مرضيّا عمله، مغفورا ذنبه، كريما عند ربه نزله؛ فيا لها مصيبة عمّت المسلمين، وخصّت الأقربين؛ وولى أبو بكر، فسار بسيرة رضيها المسلمون؛ ثم ولى عمر، فسار بسيرة أبي بكر رضي الله عنهما؛ ثم ولي عثمان، فنال منكم ونلتم منه، حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموه فقتلتموه، ثم أتيتموني فقلتم لي: بايعنا! فقلت لكم:
لا أفعل! وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتم كفي فجذبتموها، وقلتم: لا نرضى إلا بك، ولا نجتمع إلا عليك! وتداككتم «2» عليّ تداكك الإبل الهيم «3» على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض؛ فبايعتموني، وبايعني طلحة والزبير، ثم ما لبثا أن استأذناني للعمرة فسارا إلى البصرة فقتلا بها المسلمين وفعلا الأفاعيل، وهما يعلمان والله أني لست بدون واحد ممن مضى، ولو أشاء أن أقول لقلت؛ اللهم إنهما قطعا قرابتي، ونكثا بيعتي، وألبا عليّ عدوّي؛ اللهم فلا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما عملا وأملا! ومما حفظ عنه بالكوفة على المنبر: قال نافع بن كليب: دخلت الكوفة للتسليم على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فإني لجالس تحت منبره، وعليه عمامة سوداء، وهو يقول: انظروا هذه الحكومة، فمن دعا إليها فاقتلوه وإن كان تحت عمامتي هذه! فقال له عدي بن حاتم: قلت لنا أمس: من أبى عنها فاقتلوه. وتقول لنا اليوم: من دعا إليها فاقتلوه! والله ما ندري ما نصع بك؟ وقام إليه رجل أحدب من أهل العراق فقال: أمرت بها أمس وتنهى عنها اليوم، فأنت كما قال الأول: آكلك وأنا أعلم ما أنت. فقال علي: إلي يقال هذا. 
أصبحت أذكر أرحاما وآصرة ... بدلت منها هويّ الرّيح بالقصب «1»
أما والله لو أني حين أمرتكم بما أمرتكم به، ونهيتكم عما نهيتكم عنه، حملتكم على المكروه الذي جعل الله عاقبته خيرا إذا كان فيه، لكانت الوثقى التي لا تقلع، ولكن بمن؟ وإلى من؟ [أريد أن] أداوي بكم [وأنتم دائي] ؛ إني والله بكم كناقش «2» الشّوكة بالشوكة، يا ليت لي بعض قومي وليت لي من بعد خير قومي، اللهم إن دجلة والفرات نهران أعجمان أصمان أبكمان، اللهم سلط عليهما بحرك، وانزع منهما بصرك؛ ويل للنّزعة «3» يا أشطان الرّكيّ «4» ! [أين الذين] دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرءوا القرآن فأحسنوه، ونطقوا بالشعر فأحكموه وهيجوا إلى الجهاد فولهوا [وله] اللقاح [إلى] أولادها، وسلبوا السيوف أغمادها ضربا ضربا، [وأخذوا بأطراف الأرض] زحفا زحفا، لا يتباشرون بالأحياء، ولا يعزّون على القتلى ولا يغيرون على العلي.
أولئك إخواني الذاهبون ... فحقّ البكاء لهم أن يطيبا
رزقت حبيبا على فاقة ... وفارقت بعد حبيب حبيبا!
ثم نزل تدمع عيناه؛ فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون على ما صرت إليه! فقال:
نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون! أقوّمهم والله غدوة ويرجعون إلى عشية مثل ظهر الحية، حتى متي؟ وإلى متى؟ حسبي الله ونعم الوكيل! وهذه خطبته الغراء، رضي الله عنه:
الحمد لله الأحد الصمد، الواحد المنفرد، الذي لا من شيء كان ولا من شيء خلق إلا وهو خاضع له؛ قدرة بان بها من الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال، ولا حدّ يضرب له فيه الأمثال، كلّ دون صفته تحبير اللغات، وضلت هناك تصاريف الصفات وحارت دون ملكوته مذاهب التفكير، وانقطعت دون علمه جوامع التفسير، وحالت دون غيبه حجب تاهت في أدنى دنوّها طامحات العقول؛ فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن؛ وتعالى الذي ليس له نعت موجود، ولا وقت محدود، وسبحان الذي ليس له أول مبتدأ، ولا غاية منتهى، ولا آخر يفنى؛ وهو سبحانه كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته؛ أحاط بالأشياء كلها علمه وأتقنها صنعه، وذللها أمره، وأحصاها حفظه؛ فلا يعزب عنه غيوب الهوى، ولا مكنون صلم الدجى، ولا ما في السموات العلى إلى الأرض السابعة السفلى؛ فهو لكل شيء منها حافظ ورقيب، أحاط بها الأحد الصمد الذي لم تغيّره صروف الأزمان، ولا يتكاءده «1» صنع شيء منها كان؛ قال لما شاء أن يكون: كن! فكان؛ ابتدع ما خلق بلا مثال سبق، ولا تعب ولا نصب؛ وكل عالم من بعد جهل يعلم، والله لم يجهل ولم يتعلم؛ أحاط بالأشياء كلها علما، ولم يزدد بتجربتها خبرا؛ علمه بها قبل كونها كعمله بها بعد تكوينها؛ لم يكوّنها لتسديد سلطان، ولا خوف زوال ولا نقصان، ولا استعانة على ضد مناويء، ولا ند مكاثر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد آخرون، فسبحان الذي لا يئوده «2» خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما برأ، خلق ما علم، وعلم ما أراد، ولا يتفكر على حادث أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، لكن قضاء متقن، وعلم محكم، وأمر مبرم، توحّد بالربوبية، وخص نفسه بالوحدانية، فلبس العز والكبرياء، واستخلص المجد والسناء، واستكمل الحمد والثناء؛ فانفرد بالتوحيد، وتوحد بالتمجيد؛ فجل سبحانه وتعالى عن الأبناء وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء؛ فليس له فيما خلق ندّ، ولا فيما ملك ضدّ، هو الله الواحد الصمد، الوارث للأبد الذي لا يبيد ولا ينفد، ملك السموات العلى، والأرضين السفلى، ثم دنا فعلا. وعلا فدنا، له المثل الأعلى، والأسماء الحسنى، والحمد لله رب العالمين؛ ثم إن الله تبارك وتعالى- سبحانه وبحمده- خلق الخلق بعلمه ثم اختار منهم صفوته، واختار من كل خيار صفوته أمناء على وحيه، وخزنة له على أمره، إليهم ينتهي رسله، وعليهم ينزل وحيه، جعلهم أصفياء، مصطفين أنبياء، مهديين نجباء؛ استودعهم وأقرهم في خير مستقر، تناسختهم أكارم الأصلاب، إلى مطهّرات الأمهات، كلما مضى منهم سلف انبعث لأمره منهم خلف، حتى انتهت نبوّة الله وأفضت كرامته إلى محمد صلّى الله عليه وسلم؛ فأخرجه من أفضل المعادن محتدا، وأكرم المغارس منبتا، وأمنعها ذروة، وأعزها أرومة، وأوصلها مكرمة من الشجرة التي صاغ منها أمناء، وانتخب منها أنبياء، شجرة طيبة العود، معتدلة العمود، باسقة الفروع، مخضرة الأصول والغصون، يانعة الثمار، كريمة المجتنى، في كرم نبتت، وفيه بسقت وأثمرت، وعزت فامتنعت، حتى أكرمه الله بالروح الأمين، والنور المبين، فختم به النبيين، وأتم به عدة المرسلين، [وجعله] خليفته على عباده، وأمينه في بلاده؛ زينه بالتقوى وآثار الذكرى؛ وهو إمام من اتقى، ونصر من اهتدى، سراج لمع ضوءه، وزند برق لمعه، وشهاب سطع نوره؛ فاستضاءت به العباد، واستنارت به البلاد؛ وطوى به الأحساب فأزجى به السحاب، وسخر له البراق حتى صافحته الملائكة، وأذعنت له الألسنة، وهدم به أصنام الآلهة، سيرته القصد، وسنته الرشد؛ وكلامه فصل، وحكمه عدل؛ فصدع صلّى الله عليه وسلم بما أمره به، حتى أفصح بالتوحيد دعوته؛ وأظهر في خلقه لا إله إلا الله، حتى أذعن له [الخلق] بالربوبية، وأقرّ له بالعبودية والواحدانية؛ اللهم فخصّ محمدا بالذكر المحمود. والحوض المورود. اللهم آت محمدا الوسيلة والرفعة والفضيلة، واجعل في المصطفين محلته، وفي الأعلين درجته، وشرّف بنيانه وعظّم برهانه، واسقنا بكأسه، وأوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، غير حزايا ولا ناكثين ولا شاكين ولا مرتابين ولا ضالين ولا مفتونين ولا مبدلين ولا حائدين ولا مضلين؛ اللهم أعط محمدا من كل كرامة أفضلها، ومن كل نعيم أكمله، ومن كل عطاء أجزله، ومن كل قسم أتمه؛ حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب منك مكانا، ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب إليك وسيلة، ولا أعظم عليك حقا- ولا شفاعة، من محمد؛ واجمع بيننا وبينه في ظل العيش، وبرد الرّوح «1» ، وقرة الأعين، ونضرة السرور، وبهجة النعيم؛ فإنا نشهد أنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة والنصيحة، واجتهد للأمة. وجاهد في سبيلك. وأوذي في جنبك ولم يخف لومة لائم في دينك. وعبدك حتى أتاه اليقين، إمام المتقين، وسيد المرسلين، وتمام النبين، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين، اللهم رب البيت الحرام، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام؛ بلّغ محمدا منا السلام؛ اللهم صل على ملائكتك المقربين، وعلى أنبيائك المرسلين، وعلى الحفظة الكرام الكاتبين، وصلى الله على أهل السموات وأهل الأرضين من المؤمنين.
وخطبته الزهراء:
الحمد لله الذي هو أول كل شيء ووليه، وكل شيء خاشع له، وكل شيء قائم به، وكل شيء ضارع إليه، وكل شيء مستكين له؛ خشعت له الأصوات، وكلّت دونه الصفات، وضلت دونه الأوهام، وحارت دونه الأحلام، وانحسرت دونه الأبصار لا يقضي في الأمور غيره، ولا يتم شيء دونه، سبحانه ما أجل شأنه، وأعظم سلطانه! تسبح له السموات العلى، ومن في الأرض السفلى، له التسبيح والعظمة والملك والقدرة، والحول والقوة، يقضي بعلم ويعفو بحلم؛ قوة كلّ ضعيف، ومفزع كل ملهوف وعزّ كلّ ذليل، ووليّ كل نعمة، وصاحب كلّ حسنة، وكاشف كل كربة المطّلع على كل خفيّة، المحصي كلّ سريرة، يعلم ما تكنّ الصدور، وما ترخى عليه الستور؛ الرحيم بخلقه، الرؤوف بعباده؛ من تكلم منهم سمع كلامه، ومن سكت منهم علم ما في نفسه، ومن عاش منهم فعليه رزقه، ومن مات منهم فإليه مصيره؛ أحاط بكل شيء علمه وأحصى كل شيء حفظه، اللهم لك الحمد عدد ما تحيي وتميت، وعدد أنفاس خلقك ولفظهم ولحظ أبصارهم، وعدد ما تجري به الريح وتحمله السحاب، ويختلف به الليل والنهار، ويسير به الشمس والقمر والنجوم- حمدا لا ينقضي عدده، ولا يفنى أمده: اللهم أنت قبل كل شيء، وإليك مصير كل شيء، وتكون بعد هلاك كل شيء وتبقى ويفنى كلّ شيء، وأنت وارث كلّ شيء، أحاط علمك بكلّ شيء، وليس يعجزك شيء، ولا يتوارى عنك شيء، ولا يقدر أحد قدرتك، ولا يشكرك أحد حقّ شكرك، ولا تهتدي العقول لصفتك، ولا تبلغ الأوهام حدّك؛ حارت الأبصار دون النظر إليك، فلم ترك عين فتخبر عنك كيف أنت وكيف كنت. لا نعلم اللهم كيف عظمتك، غير أنا نعلم أنك حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، لم ينته إليك نظر، ولم يدركك بصر، ولا يقدر قدرتك ملك ولا بشر؛ أدركت الأبصار، وكتمت الآجال، وأحصيت الأعمال، وأخذت بالنواصي والأقدام، لم تخلق الخلق لحاجة ولا لوحشة ملأت كلّ شيء عظمة، فلا يردّ ما أردت، ولا يعطى ما منعت، ولا ينقص سلطانك من عصاك، ولا يزيد في ملكك من أطاعك؛ كلّ سرّ عندك علمه، وكل غيب عندك شاهده؛ فلم يستتر عنك شيء، ولم يشغلك شيء عن شيء، وقدرتك على ما تقضي، كقدرتك على ما قضيت، وقدرتك على القوي كقدرتك على الضعيف وقدرتك على الأحياء كقدرتك على الأموات؛ فإليك المنتهى وأنت الموعد، لا منجى إلا إليك؛ بيدك ناصية كل دابة، وبإذنك تسقط كلّ ورقة؛ لا يعزب «1» عنك مثقال ذرة؛ أنت الحيّ القيوم؛ سبحانك! ما أعظم ما يرى من خلقك! وما أعظم ما يرى من ملكوتك! وما أقلهما فيما غاب عنا منه! وما أسبغ نعمتك في الدنيا وأحقرها في نعيم الآخرة! وما أشدّ عقوبتك في الدنيا وما أيسرها في عقوبة الآخرة! وما الذي نرى من خلقك، ونعتبر من قدرتك.
ونصف من سلطانك فيما يغيب عنا منه مما قصرت أبصارنا عنه وكانت عقولنا دونه، وحالت الغيوب بيننا وبينه، فمن قرع سنه وأعمل فكره كيف أقمت عرشك، وكيف ذرأت خلقك، وكيف علقت في الهواء سمواتك، وكيف مددت أرضك- يرجع طرفه حاسرا، وعقله مبهورا، وسمعه والها، وفكره متحيرا؛ فكيف يطلب علم ما قبل ذلك من شأنك إذ أنت وحدك في الغيوب التي لم يكن فيها غيرك، ولم يكن لها سواك؟ لا أحد شهدك حين فطرت «2» الخلق، ولا أحد حضرك حين ذرأت «3» النفوس، فكيف لا يعظم شأنك عند من عرفك، وهو يرى من خلقك ما ترتاع به عقولهم، ويملأ قلوبهم، من رعد تفزع له القلوب، وبرق يخطف الأبصار، وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سمواتك، وليست فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا بهم معصية؛ هم أعلم خلقك بك، وأخوفهم لك، وأقومهم بطاعتك، ليس يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول؛ لم يسكنوا الأصلاب، ولم تضمّهم الأرحام؛ أنشأتهم إنشاء، وأسكنتهم سمواتك، وأكرمتهم بجوارك، وائتمنتهم على وحيك، وجنبتهم الآفات، ووقيتهم السيئات، وطهرتهم من الذنوب؛ فلولا تقويتك لم يقووا، ولولا تثبيتك لم يثبتوا، ولولا رهبتك لم يطيعوا، ولولاك لم يكونوا؛ أما إنهم على مكانتهم منك، ومنزلتهم عندك، وطول طاعتهم إياك- لو يعانون ما يخفي عليهم لاحتقروا أعمالهم، ولعلموا أنهم لم يعبدوك حقّ عبادتك؛ فسبحانك خالقا ومعبودا ومحمودا، بحسن بلائك عند خلقك! أنت خلقت ما دبرته مطعما ومشربا، ثم أرسلت داعيا إلينا، فلا الداعي أجبنا، ولا فيما رغّبتنا فيه رغبنا، ولا إلى ما شوّقتنا إليه اشتقنا؛ أقبلنا كلنا على جيفة نأكل منها ولا نشبع وقد زاد بعضنا على بعض حرصا لما يرى بعضنا من بعض، فافتضحنا بأكلها واصطلحنا على حبها، فأعمت أبصار صالحينا وفقهائنا، فهم ينظرون بأعين غير صحيحة، ويسمعون بآذان غير سميعة، فحيثما زالت زالوا معها، وحيثما مالت أقبلوا إليها، وقد عاينوا المأخوذين على الغرّة كيف فجأتهم الأمور، ونزل بهم المحذور، وجاءهم من فراق الأحبة ما كانوا يتوقعون، وقدموا من الآخرة ما كانوا يوعدون: فارقوا الدنيا وصاروا إلى القبور، وعرفوا ما كانوا فيه من الغرور، فاجتمعت عليهم حسرتان: حسرة الفوت «1» وحسرة الموت، فاغبرت لها وجوههم وتغيرت بها ألوانهم، وعرقت بها جباههم، وشحصت أبصارهم، وبردت أطرافهم، وحيل بينهم وبين المنطق، وإن أحدهم لبين أهله، ينظر ببصره، ويسمع بأذنه؛ ثم زاد الموت في جده حتى خالط بصره، فذهبت من الدنيا معرفته، وهلكت عند ذلك حجته، وعاين هول أمر كان مغطى عليه فأحدّ لذلك بصره؛ ثم زاد الموت في جده حتى بلغت نفسه الحلقوم، ثم خرج من جسده فصار جسدا ملقى لا يجيب داعيا، ولا يسمع باكيا؛ فنزعوا ثيابه وخاتمه، ثم وضّئوه وضوء الصلاة، ثم غسلوه وكفنوه إدراجا في أكفانه وحنطوه، ثم حملوه إلى قبره، فدلوه في حفرته، وتركوه مخلى بمفظعات من الأمور، وتحت مسألة منكر ونكير، مع ظلمة وضيق ووحشة قبر، فذاك مثواه حتى يبلى جسده ويصير ترابا؛ حتى إذا بلغ الأمر إلى مقداره، وألحق آخر الخلق بأوله، وجاءه أمر من خالقه، أراد به تجديد خلقه- أمر بصوت من سمواته فمارت السموات مورا «1» ، وفزع من فيها، وبقي ملائكتها على أرجائها، ثم وصل الأمر إلى الأرض، والخلق رفات لا يشعرون فأرج أرضهم وأرجفها وزلزلها، وقلع جبالها ونسفها وسيّرها، ودكّ بعضها بعضا من هيبته وجلاله، وأخرج من فيها فجدّدهم بعد بلائهم، وجمعهم بعد تفرّقهم، يريد أن يحصيهم ويميزهم، فريقا في ثوابه، وفريقا في عقابه، فخلد الأمر لأبده، دائما خيره وشره، ثم لم ينس الطاعة من المطيعين، ولا المعصية من العاصين، فأراد عز وجل أن يجازي هؤلاء، وينتقم من هؤلاء، فأثاب أهل الطاعة بجواره، وحلول داره، وعيش رغد، وخلود أبد، ومجاورة للرب، وموافقة محمد صلّى الله عليه وسلم، حيث لا ظعن ولا تغيّر؛ وحيث لا تصيبهم الأحزان، ولا تعترضهم الأخطار؛ ولا تشخصهم «2» الأسفار؛ وأما أهل المعصية فخلدهم في النار، وأوثق منهم الأقدام وغلّ منهم الأيدي إلى الأعناق؛ في لهب قد اشتد حره، ونار مطبقة على أهلها لا يدخل عليها بها روح، همّهم شديد، وعذابهم يزيد، ولا مدة للدار تنقضي، ولا أجل للقوم ينتهي.
اللهم إني أسألك بأن لك الفضل والرحمة بيدك، فأنت وليهما لا يليهما أحد غيرك، وأسألك باسمك لمخزون المكنون، الذي قام به عرشك وكرسيّك وسمواتك وأرضك، وبه ابتدعت خلقك- الصلاة على محمد، والنجاة من النار برحمتك، آمين؛ إنك وليّ كريم.
وخطب أيضا فقال: أيها الناس احفظوا عني خمسا فلو شددتم إليها المطايا حتى تنضوها لم تظفروا بمثلها: ألا لا يرجونّ أحدكم إلا ربّه، ولا يخافنّ إلا ذنبه ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم، وإذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ألا وإن الخامسة الصبر، فإن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ من لا صبر له لا إيمان له، ومن لا رأس له لا جسد له: ولا خير في قراءة إلا بتدبّر ولا في عبادة إلا بتفكّر، ولا في حلم إلا بعلم؛ ألا أنبئكم بالعالم كل العالم؟ من لم يزين لعباد الله معاصي الله، ولم يؤمّنهم مكره، ولم يؤيسهم من روحه. لا تنزلوا المطيعين الجنة ولا المذنبين الموحدين النار حتى يضي الله فيهم بأمره؛ ولا تأمنوا على خير هذه الأمة عذاب الله؛ فإنه يقول: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
«1» ولا تقنطوا شر هذه الأمة من رحمة الله، ف إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ
«2» .
ومن كلامه رضوان الله عليه: قال ابن عبّاس: لما فرغ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه من وقعة الجمل، دعا بآجرّتين فعلاهما، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا أنصار المرأة وأصحاب البهيمة! رغا فأجبتم وعقر فهربتم؛ دخلت شرّ بلاد [أقربها من الماء، و] أبعدها من السماء. بها يغيض كل ماء، ولها شرّ أسماء: هي البصرة، والبصيرة، والمؤتفكة، وتدمر. أين ابن عبّاس؟ فدعيت. فقال لي: مر هذه المرأة فلترجع إلى بيتها الذي أمرت أن تقرّ فيه.
وتمثل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحكمين:
زللت فيكم زلّة فأعتذر ... سوف أكيس بعدها وأشتمر «3»
وأجمع الأمر الشّتيت المنتشر











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید