المنشورات

خطبة المهدي

الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه، ورضي به من خلقه، أحمده على آلائه،وأمجّده لبلائه، وأستعينه وأومن به، وأتوكل عليه توكّل راض بقضائه، وصابر لبلائه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه؛ أرسله بعد انقطاع الرجاء، وطموس العلم، واقتراب من الساعة، إلى أمّة جاهلية، مختلفة أمية، أهل عداوة وتضاغن، وفرقة وتباين، قد استهوتهم شياطينهم، وغلب عليهم قرناؤهم، فاستشعروا الرّدى، وسلكوا العمى، يبشّر من أطاعه بالجنة وكريم ثوابها، وينذر من عصاه بالنار وأليم عقابها لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
«1» .
أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة؛ وأحثّكم على إجلال عظمته، وتوقير كبريائه وقدرته، والانتهاء إلى ما يقرّب من رحمته وينجي من سخطه، وينال به ما لديه من كريم الثواب؛ وجزيل المآب؛ فاجتنبوا ما خوّفكم الله من شديد العقاب، وأليم العذاب، ووعيد الحساب؛ يوم توقفون بين يدي الجبار، وتعرضون فيه على النار يوم لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.
فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
«2» ؛ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ.
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ
«3» ؛ يوم لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
«4» ؛ يوم لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً؛ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ
«5» ؛ فإن الدنيا دار غرور، وبلاء وشرور، واضمحلال وزوال، وتقلّب وانتقال؛ قد أفنت من كان قبلكم، وهي عائدة عليكم وعلى من بعدكم؛ من ركض إليها صرعته، ومن وثق بها خانته؛ ومن أملها كذبته، ومن رجاها خذتله؛ عزّها وغناها فقر؛ والسعيد من تركها، والشقيّ فيها من آثرها، والمغبون فيها من باع حظّه من دار آخرته بها؛ فالله عباد الله والتوبة مقبولة، والرحمة مبسوطة؛ وبادروا بالأعمال الزكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يؤخذ بالكظم «1» ، وتندموا فلا تقالون بالندم، في يوم حسرة وتأسّف وكآبة وتلهّف؛ يوم ليس كالأيام، وموقف ضنك المقام، إن أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله؛ يقول الله تبارك وتعالى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
«2» .
أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم! بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ. كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ. ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
» .
أوصيكم عباد الله بما أوصاكم الله به، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه، وأرضى لكم طاعة الله، وأستغفر الله لي ولكم.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید