المنشورات

خطبة هارون الرشيد

الحمد لله؛ نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقا، ونتوكل عليه مفوّضين إليه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. بعثه الله على فترة من الرسل، ودروس من العلم، وإدبار من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ بشيرا بالنعيم المقيم؛ ونذيرا بين يدي عذاب أليم، فبلّغ الرسالة، ونصح الأمّة، وجاهد في الله، فأدّى عن الله وعده ووعيده حتى أتاه اليقين؛ فعلى النّبي من الله صلاة ورحمة وسلام.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله؛ فإن في التقوى تكفير السيئات، وتضعيف الحسنات، وفوزا بالجنة، ونجاة من النار؛ وأحذركم يوما تشخص فيه الأبصار، وتبلى فيه الأسرار، يوم البعث ويوم التغابن، ويوم التلاقي ويوم التنادي، يوم لا يستعتب من سيئة ولا يزداد من حسنة؛ يَوْمَ الْآزِفَةِ، إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ
؛ ... وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
«1» .
عباد الله؛ إنكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى؛ حصّنوا إيمانكم بالأمانة، ودينكم بالورع، وصلاتكم بالزكاة؛ فقد جاء في الخبر أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ولا صلاة لمن لا زكاة له» . إنكم سفر مجتازون وأنتم عن قريب تنتقلون من دار فناء إلى دار بقاء؛ فسارعوا إلى المغفرة بالتوبة، وإلى الرحمة بالتقوى، وإلى الهدى بالأمانة، فإن الله تعالى ذكره أوجب رحمته للمتقين، ومغفرته للتائبين، وهداه للمنيبين؛ قال الله عز وجل وقوله الحق:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ
«2» . وقال:
وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى
. وإياكم والأماني، فقد غرّت وأوردت وأبقت كثيرا حتى أكذبتهم مناياهم، فتناوشوا «3» التوبة من مكان بعيد، وحيل بينهم وبين ما يشتهون؛ فأخبركم ربّكم عن المثلات فيهم، وصرّف الآيات، وضرب الأمثال، فرغّب بالوعد وقدّم إليكم الوعيد، وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلا فجيلا، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم، ومن بين أظهركم، لا تدفعون عنهم، ولا تحولون دونهم، فزالت عنهم الدنيا، وانقطعت بهم الأسباب، فأسلمتهم إلى أعمالهم عند الموقف والحساب والعقاب لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى
«4» .
إنّ أحسن الحديث وأبلغ الموعظة كتاب الله؛ يقول الله عز وجل: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
«5» . أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ
«6» . آمركم بما أمركم الله به، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه، وأستغفر الله لي ولكم.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید