المنشورات

خطب لعتبة بن أبي سفيان

بلغه عن أهل مصر شي فأغضبه، فقام فيهم، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
يا أهل مصر، إياكم أن تكونوا للسيف حصيدا، فإن لله فيكم ذبيحا لعثمان أرجو أن يوليني نسكه «3» ؛ إن الله جمعكم بأمير المؤمنين بعد الفرقة، فأعطى كلّ ذي حقّ حقه وكان الله فيكم، ومنّة منه عليكم؛ وقد بلغنا عنكم نجم قول، أظهره تقدّم عفو منا، فلا تصيروا إلى وحشة الباطل بعد أنس الحق، بإحياء الفتنة وإماتة السّنن؛ فأطأكم وطأة لا رمق معها؛ حتى تنكروا مني ما كنتم تعرفون، وتستخشنوا ما كنتم تستلينون؛ وأنا أشهد عليكم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وخطبة لعتبة بن أبي سفيان
يا حاملي الأم أنوف ركبت بين أعين، إنما قلّمت أظفاري عنكم ليلين مسّي إياكم، وسألتكم صلاحكم؛ إذ كان فسادكم راجعا عليكم، فأما إذ أبيتم إلا الطعن على الولاة، والتنقّص للسلف، فوالله لأقطعن على ظهوركم بطون السّياط، فإن حسمت داءكم وإلا فالسيف من ورائكم؛ ولست أبخل عليكم بالعقوبة إذا جدتم لنا بالمعصية، ولا أؤيسكم من مراجعة الحسنى إن صرتم إلى التي هي أبرّ وأتقى.
وخطبة لعتبة بن أبي سفيان
لما اشتكى شكاته التي مات فيها، تحامل إلى المنبر فقال:
يا أهل مصر، لا غنى عن الرب، ولا مهرب من ذنب؛ إنه قد تقدّمت مني إليكم عقوبات كنت ارجو يومئذ الأجر فيها، وأنا أخاف اليوم الوزر منها، فليتني لا أكون اخترت دنياي على معادي، فأصلحتكم بفسادي؛ وأنا أستغفر الله منكم، وأتوب إليه فيكم؛ فقد خفت ما كنت أرجو نفعا عليه، ورجوت ما كنت أخاف اغتيالا به، وقد شقي من هلك بين رحمة الله وعفوه؛ والسلام عليكم، سلام من لا ترونه عائدا إليكم. قال: فلم يعد.
وخطبة لعتبة
العتبي: قال سعد القصر: احتبست عنا كتب معاوية بن أبي سفيان حين أرجف أهل مصر بموته، ثم قدم علينا كتابه بسلامته؛ فصعد عتبة المنبر والكتاب في يده، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا أهل مصر، قد طالت معاتبتنا إياكم بأطراف الرماح وظبات «1» السيوف، حتى صرنا شجى في لهواتكم ما تسيغه حلوقكم، وأقذاء في أعينكم ما تطرف عليها جفونكم، أفحين اشتدّت عرى الحق عليكم عقدا واسترخت عقد الباطل منكم حلا، أرجفتم بالخليفة، وأردتم تهوين الخلافة، وخضتم الحق إلى الباطل، وأقدم عهدكم به حديث، فاربحوا أنفسكم إذا خسرتم دينكم؛ فهذا كتاب أمير المؤمنين بالخبر السارّ عنه والعهد القريب منه؛ واعلموا أن سلطاننا على أبدانكم دون قلوبكم؛ فأصلحوا لنا ما ظهر، نكلكم إلى الله فيما بطن؛ وأظهروا خيرا وإن أضمرتم شرا، فإنكم حاصدون ما أنتم زارعون؛ وعلى الله أتوكل وبه أستعين. ثم نزل.
خطبة عتبة في الموسم
سعد القصر قال: قال مولى عتبة بن أبي سفيان: دفع عتبة بن أبي سفيان بالموسم سنة إحدى وأربعين، والناس حديث عهدهم بالفتنة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: 
إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضعف الله فيه للمحسنين الأجر، وللمسيئين الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا له، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع من دوننا؛ ورب متمنّ حتفه في أمنيته، اقبلونا ما قبلنا العافية فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولوّا «1» فإن لوّا قد أتعبت من قبلكم، ولن تريح من بعدكم؛ فأسأل الله أن يعين كلّا على كل.
فناداه أعرابي من ناحية المسجد: أيها الخليفة. قال: لست به ولم تبعد فقال: يا أخاه! فقال: أسمعت فقل.
فقال: والله لأن تحسنوا وقد أسأنا خير لكم من أن تسيئوا وقد أحسنّا فإن كان الإحسان لكم فما أحقّكم باستتمامه، وإن كان لنا فما أحقكم بمكافأتنا. رجل من بني عامر بن صعصعة يلقاكم بالعمومة، ويختص إليكم بالخئولة، وقد كثر عياله، ووطئه زمانه، وبه فقر، وفيه أجر، وعنده شكر.
فقال عتبة: أستغفر الله منكم؛ وأسأله العون عليكم، وقد أمرت لك بغناك؛ فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائنا عنك.
خطبة لعتبة بن أبي سفيان
سعد القصر قال:
وجّه عتبة بن أبي سفيان ابن أخي أبي الأعور السلمي إلى مصر فمنعوه الخراج، فقدم عليهم عتبة فقام خطيبا فقال:
يأهل مصر، قد كنتم تعتذرون لبعض المنع منكم ببعض الجور عليكم؛ فقد وليكم من يقول ويفعل، ويقول؛ فإن رددتم ردّكم بيده، وإن استعصيتم ردّكم بسيفه، ثم رجا في الآخر ما أمّل في الأوّل؛ إن البيعة مشايعة «2» ، فلنا عليكم السمع والطاعة، ولكم علينا العدل؛ فأيّنا غدر فلا ذمّة له عند صاحبه، والله ما انطلقت بها ألسنتنا حتى عقدت عليها قولبنا، ولا طلبناها منكم حتى بذلناها لكم، ناجزا بناجز، ومن حذّر كمن بشّر. قال فنادوه: سمعا سمعا، فناداهم: عدلا عدلا عدلا.
وخطبة لعتبة
قدم كتاب معاوية إلى عتبة بمصر: إنّ قبلك قوما يطعنون على الولاة ويعيبون السلف. فخطبهم فقال:
يأهل مصر، خفّ على ألسنتكم مدح الحق ولا تفعلونه، وذمّ الباطل وأنتم تأتونه، كالحمار يحمل أسفارا أثقله حملها ولم ينفعه ثقلها، وايم الله لا أداويكم بالسيف ما صلحتم على السوط، ولا أبلغ السوط ما كفتني الدّرة، ولا أبطيء عن الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى؛ فالزموا ما أمركم الله به، تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا؛ وإياكم وقال ويقول، قبل أن يقال فعل ويفعل؛ وكونوا خير قوس سهما. فهذا اليوم الذي ليس قبله عقاب، ولا بعده عتاب.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید