المنشورات

خطب الخوارج

خطبة لقطري بن الفجاءة في ذمّ الدنيا
صعد قطري بن الفجاءة منبر الأزارقة- وهو أحد بني مازن بن عمرو بن تميم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أمّا بعد، فإني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفّت بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وغمرت بالآمال، وتحلّت بالأماني وزيّنت بالغرور؛ لا تدوم حسرتها، ولا تؤمن فجعتها؛ غدّارة ضرارة، وحائلة زائلة، ونافدة بائدة؛ لا تعدو- إذا [هي] تناهت إلى أمنيّة أهل الرغبة فيها والرضا عنها- أن تكون كما قال الله عز وجل: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً
«1» . مع أن امرءا لم يكن منها في حيرة، إلا أعقبته بعدها عبرة؛ ولم يلق من سرائها بطنا، إلا منحته من ضرائها ظهرا؛ ولم تطلّه منها ديمة رخاء، إلا هطلت عليه مزنة «2» بلاء؛ وحريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له خاذلة متنكرة؛ وإن جانب منها اعذوذب واحلولى، أمر عليه منها جانب فأوبا؛ وإن لبس امرؤ من غضارتها ورفاهيتها نعما، أرهقته من نوائبها غمّا؛ ولم يمس امرؤ منها في جناح أمن، إلا أصبح منها في قوادم خوف؛ غرّارة، غرور ما فيها؛ باقية، فان ما عليها؛ لا خير في شيء من زادها إلا التقوى، من أقلّ منها استكثر مما يؤمّنه، ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه «3» ، وزال عما قليل عنه، استكثر مما يوبقه؛ كم واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وكم من ذي اختيال فيها قد خدعته؛ وكم من ذي أبّهة فيها قد صيّرته حقيرا وذي نخوة فيها قد ردّته ذليلا، وذي تاج قد كبّته «4» لليدين والفم؛ سلطانها دول»
، وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها مرّ، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام «6» وقطافها سلع «7» ؛ حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام؛ مليكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وصحيحها وسليمها منكوب؛ وحائزها وجامعها محروب؛ مع أنّ من وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطّلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل؛ ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ألستم في مساكن من كان أطول أعمارا، وأوضح آثارا، وأعدّ عديدا، وأكثف جنودا، وأعتد عتادا، وأطول عمادا؟ تعبّدوا للدنيا أيّ تعبد، وآثروها أي إيثار، وظعنوا عنها بالكرّة والصّغار؛ فهل بلغكم أنّ الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، وأغنت عنهم فيما أمّلتهم به بخطب! بل أثقلتهم بالفوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعفّرتهم للمناخر، وأعانت عليهم ريب المنون، وعقرتهم بالمصائب؛ وقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها وآثرها وأخلد إليها، حتى ظعنوا عنها لفراق الأبد إلى آخر الأمد. هل زوّدتهم إلا الشقاء، وأحلّتهم إلا الضنك، أو نوّرت لهم إلا الظلمة، وأعقبتهم إلا الندامة؟
أفهذه تؤثرون، أم عليها تحرصون، أم إليها تطمئنون؟ يقول الله تبارك وتعالى:
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ
«1» ؛ فبئست الدار لمن لم يتّهمها، ولم يكن فيها على وجل منها؛ اعملوا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بدّ؛ فإنما هي كما نعت الله عز وجل: لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ
«2» . فاتّعظوا فيها بالذين يبنون بكل ريع آية يعبثون، ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون، وبالذين قالوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً
«3» ؛ واتعظوا بمن رأيتم من إخوانكم كيف حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وأنزلوا [الأجداث] فلا يدعون ضيفانا، وجعل لهم من الضريح أكنان، ومن التراب أكفان، ومن الرّفات جيران؛ فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، إن أخصبوا لم يفرحوا، وإن قحطوا لم يقنطوا، جمع وهم آحاد، جيرة وهم أبعاد، متناءون وهم يزارون ولا يزورون، حلماء قد ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخشى فجعهم، ولا يرجى دفعهم، وهم كمن لم يكن، قال الله تعالى: فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ
«4» استبدلوا بظهر الأرض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالآل غربة، وبالنور ظلمة، فجاءوها حفاة عراة فرادى، غير أن ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة إلى خلود الأبد يقول الله تبارك وتعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ
«5» ، فاحذروا ما حذركم الله، وانتفعوا بمواعظه، واعتصموا بحبله، عصمنا الله وإياكم بطاعته، ورزقنا وإياكم أداء حقه. ثم نزل.
خطب لأبي حمزة بمكة
خطبهم أبو حمزة الشاري بمكة، فصعد المنبر متوكئا على قوس عربية، فخطب خطبة طويلة، ثم قال:
يأهل مكة، تعيّرونني بأصحابي، تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا شبابا؟ نعم الشباب مكتهلين، عمية عن الشر أعينهم، بطيئة عن الباطل أرجلهم، قد نظر الله إليهم في آناء الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلال ليلهم بكلال نهارهم، أنضاء عبادة، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من كثرة الصيام وطول القيام، مستقلون لذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، [حتى] إذا رأوا سهام العدوّ قد فوّقت «1» ، ورماحهم قد أشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وبرقت الكتيبة ورعدت بصواعق الموت- استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، فمضى لشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه على عنق فرسه، قد رمّلت «2» محاسن وجهه الدماء، وعفّر جبينه بالثرى، وأسرع إليه سباع الأرض، وانحطت عليه طير سماء؛ فكم من مقلة في منقار طائر، طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف بانت رقيق، قد فلق بعمد الحديد! رحمة الله على تلك الأبدان، وأدخل أرواحها الجنان.
ثم قال: الناس منا ونحن منهم، إلا عابد وثن، أو كفرة أهل الكتاب، وإماما جائرا، أو شادّا على عضده.
وخطبة أبي حمزة بالمدينة
قال مالك بن أنس رحمه الله: خطبنا أبو حمزة خطبة شك فيها المستبصر وردّت المرتاب، قال:
أوصيكم بتقوى الله وطاعته، والعمل بكتابه وسنة نبيه صلّى الله عليه وسلم، وصلة الرحم، وتعظيم ما صغرت الجبابرة من حق الله، وتصغير ما عظّمت من الباطل، وإماتة ما أحيوا من الجور، وإحياء ما أماتوا من الحقوق، وأن يطاع الله ويعصى العباد في طاعته؛ فالطاعة لله ولأهل طاعة الله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ندعو إلى كتاب الله وسنة نبيه، والقسم بالسوية، والعدل في الرعية، ووضع الأخماس في مواضعها التي أمر الله بها؛ إنا والله ما خرجنا أشرا «1» ولا بطرا «2» ولا لهوا ولا لعبا؛ ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيها ولا لثأر قد نيل منّا؛ ولكنا لمّا رأينا الأرض قد أظلمت، ومعالم الجور قد ظهرت، وكثر الادّعاء في الدين، وعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وقتل القائم بالقسط «3» ، وعنّف القائل بالحق- سمعنا مناديا ينادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فأجبنا داعي الله، فأقبلنا من قبائل شتى، قليلين مستضعفين في الأرض، فآوانا الله وأيدنا بنصره، فأصبحنا بنعمته إخوانا، وعلى الدين أعوانا.
يأهل المدينة، أوّلكم خير أوّل، وآخركم شرّ آخر؛ إنكم أطعتم قراءكم وفقهاءكم فاختانوكم عن كتاب غير ذي عوج، بتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ فأصبحتم عن الحق ناكبين «4» ، أمواتا غير أحياء وما تشعرون.
يأهل المدينة، يا أبناء المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ما أصح أصلكم، وأسقم فرعكم! كان آباؤكم أهل اليقين، وأهل المعرفة بالدين، والبصائر النافذة، والقلوب الواعية؛ وأنتم أهل الضلالة والجهالة؛ استعبدتكم الدنيا فأذلتكم والأمانيّ فأضلتكم؛ فتح الله لكم باب الدّين فسددتموه، وأغلق عنكم باب الدنيا ففتحتموه؛ سراع إلى الفتنة، بطاء عن السّنّة «5» ؛ عمي عن البرهان، صمّ عن العرفان؛ عبيد الطمع، حلفاء الجزع؛ نعم ما ورّثكم آباؤكم لو حفظتموه، وبئس ما تورّثون أبناءكم إن تمسكوا به! نصر الله آباءكم على الحق، وخذلكم على الباطل؛ كان عدد آبائكم قليلا طيّبا وعددكم كثير خبيث؛ اتبعتم الهوى فأرداكم واللهو فأسهاكم، ومواعظ القرآن تزجركم فلا تزدجرون، وتعبّركم فلا تعتبرون، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء فقلتم: والله ما فيهم الذي يعدل؛ أخذوا المال من غير حلّه، فوضعوه في غير حقه؛ وجاروا في الحكم، فحكموا بغير ما أنزل الله؛ واستأثروا بفيئنا؛ فجعلوه دولة بين الأغنياء منهم، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء. وقلنا لكم:
تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم، وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله. فقلتم: لا نقوى على ذلك، ووددنا أنا أصبنا من يكفينا، فقلنا: نحن نكفيكم. ثم الله راع علينا وعليكم، إن ظفرنا لنعطينّ كلّ ذي حق حقه؛ فجئنا فاتقينا الرماح بصدورنا، والسيوف بوجوهنا، فعرضتم لنا دونهم، فقاتلتمونا، فأبعدكم الله؛ فوالله لو فلتم لا نعرف الذي تقول ولا نعلمه لكان أعذر؛ مع أنه لا عذر للجاهل، ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة.
ثم قال: الناس منا ونحن منهم، إلا ثلاثة: حاكما جاء بغير ما أنزل الله، أو متبعا له، أو راضيا بعمله.
أسقطنا في هذه الخطبة ما كان من طعنه على الخلفاء، فإنه طعن فيها على عثمان وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهما، وعمر بن عبد العزيز، ولم يترك من جميع الخلفاء إلا أبا بكر وعمر، وكفّر من بعدهما، فلعنة الله عليه؛ إلا أنه ذكر من الخلفاء رجلا أصغى إلى الملاهي والمعازف وأضاع أمر الرعية فقال: كان فلان ابن فلان من عدد الخلفاء عندكم، وهو مضيّع للدين والدنيا، اشتري له بردان بألف دينار ائتزر بأحدهما والتحف بالآخر، وأقعد حبّابة عن يمينه، وسلامة عن يساره، فقال: يا حبابة غنيني، ويا سلامة استقيني؛ فإذا امتلأ سكرا وازدهى طربا شق ثوبيه وقال: ألا أطير؟
فطر إلى النار وبئس المصير! فهذه صفة خلفاء الله تعالى.
وخطبة لأبي حمزة
أما بعد، فإنك في ناشيء فتنة، وقائم ضلالة قد طال جثومها، واشتدّ عليك غمومها، وتلوّت مصايد عدوّ الله، وما نصب من الشرك لأهل الغفلة عما في عواقبها، فلن يهدّ عمودها، ولن ينزع أوتادها، إلا الذي بيده ملك الأشياء وهو الله الرحمن الرحيم: ألا وإن لله بقايا من عباده لم يتحيروا في ظلمها، ولم يشايعوا أهلها على شبهها؛ مصابيح النور في أفواههم تزهو، وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق؛ ركبوا منهج السبيل، وقاموا على العلم الأعظم، هم خصماء الشيطان الرجيم، بهم يصلح الله البلاد، ويدفع عن العباد؛ طوبى لهم وللمستصبحين بنورهم، وأسأل الله أن يجعلنا منهم.
من أرتج «1» عليه في خطبته
أول خطبة خطبها عثمان بن عفان أرتج عليه؛ فقال: أيها الناس، إن أول كلّ مركب صعب؛ وإن أعش تأتكم الخطب على وجهها؛ وسيجعل الله بعد عسر يسرا إن شاء الله.
ولما قدم يزيد بن أبي سفيان الشام واليا عليها لأبي بكر، خطب الناس فأرتج عليه؛ فعاد إلى الحمد لله، ثم أرتج عليه فعاد إلى الحمد ثم أرتج عليه فقال: يأهل الشام عسى الله أن يجعل بعد عسر يسرا، وبعد عيّ بيانا؛ وأنتم إلى إمام فاعل أحوج منكم إلى إمام قائل. ثم نزل، فبلغ ذلك عمرو بن العاص فاستحسنه.
صعد ثابت قطنة منبر سجستان، فقال: الحمد لله. ثم أرتج عليه؛ فنزل وهو يقول:
فإن لا أكن فيهم خطيبا فإنني ... بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب
فقيل له: لو قلتها فوق المنبر لكنت أخطب الناس.
وخطب معاوية بن أبي سفيان لما ولي، فحصر «1» ، فقال: أيها الناس، إني كنت أعددت مقالا أقوم به فيكم فحجبت عنه؛ فإن الله يحول بين المرء وقلبه؛ كما قال في كتابه؛ وأنتم إلى إمام عدل، أحوج منكم إلى إمام خطيب؛ وإني آمركم بما أمر الله به ورسوله، وأنهاكم عما نهاكم الله عنه ورسوله، وأستغفر الله لي ولكم.
وصعد خالد بن عبد الله القسري المنبر فأرتج عليه، فمكث مليا لا يتكلم؛ ثم تهيأ له الكلام فتكلم، فقال: أما بعد، فإن هذا الكلام يجيء أحيانا ويعزب «2» أحيانا، فيسح عند مجيئه سيبه «3» ، ويعزّ عند عزوبه طلبه؛ ولربما كوبر فأبى، وعولج فنأى؛ فالتأني لمجيّه، خير من التعاطي لأبيّه، وتركه عند تنكره، أفضل من طلبه عند تعذره؛ وقد يرتج على البليغ لسانه، ويخلج من الجريّ جنانه؛ وسأعود فأقول إن شاء الله.
وصعد أبو العنبس منبرا من منابر الطائف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ... فأرتج عليه، فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: لا. قال: فما ينفعني ما أريد أن أقول لكم؟ ثم نزل.
فلما كان في الجمعة الثانية صعد المنبر وقال: أما بعد؛ فأرتج عليه؛ فقال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: نعم. قال: فما حاجتكم إلى أن أقول لكم ما علمتم؟ ثم نزل.
فلما كانت الجمعة الثالثة قال: أما بعد؛ فأرتج عليه، قال: أتدرون ما أريد أن أقول لكم؟ قالوا: بعضنا يدري، وبعضنا لا يدري. قال: فليخبر الذي يدري منكم الذي لا يدري! ثم نزل.
وأتى رجل من بني هاشم اليمامة، فلم اصعد المنبر أرتج عليه؛ فقال: حيّا الله هذه الوجوه وجعلني فداءها: قد أمرت طائفي بالليل ألا يرى أحدا إلا أتاني به؛ وإن كنت أنا هو! ثم نزل.
وكان خالد بن عبد الله إذ تكلم يظنّ الناس أنه يصنع الكلام، لعذوبة لفظه وبلاغة منطقه؛ فبينا هو يخطب يوما إذ وقعت جرادة على ثوبه، فقال: سبحان من الجرادة من خلقه، أدمج قوائمها وطرفها وجناحيها، وسلطها على ما هو أعظم منها.
خطب عبد الله بن عامر بالبصرة في يوم أضحى، فأرتج عليه، فمكث ساعة ثم قال: والله لا أجمع عليكم عيّا ولؤما. من أخذ شاة من السوق فهي له وثمنها عليّ.
قيل لعبد الملك بن مروان: عجل عليك المشيب يا أمير المؤمنين. فقال: كيف لا يعجل وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة مرة أو مرتين.









مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید