المنشورات

كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم:

فمن أهل هذه الصناعة: علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وكان مع شرفه ونبله وقرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكتب الوحي، ثم أفضت عليه الخلافة بعد الكتابة، وعثمان بن عفان- كانا يكتبان الوحي، فإن غابا كتب أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت، فإن لم يشهد واحد منهما، كتب غيرهما.
وكان خالد بن سعيد بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، يكتبان بين يديه في حوائجه.
وكان المغيرة بن شعبة، والحصين بن نمير، يكتبان ما بين الناس، وكانا ينوبان عن خالد ومعاوية إذا لم يحضرا.
وكان عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث، والعلاء بن عقبة، يكتبان بين القوم في قبائلهم ومياههم، وفي دور الأنصار بين الرجال والنساء.
وكان ربما كتب عبد الله بن الأرقم إلى الملوك عن النبي صلّى الله عليه وسلم وعلى آله.
وكان حذيفة بن اليمان يكتب خرص «1» ثمار الحجاز.
وكان زيد بن ثابت يكتب إلى الملوك مع ما كان يكتبه من الوحي؛ وقيل إنه تعلم بالفارسية من رسول كسرى، وبالرومية من حاجب النبي صلّى الله عليه وسلم، وبالحبشية من خادم النبي صلّى الله عليه وسلم، وبالقبطية من خادمه عليه الصلاة والسلام.
وروي عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما، فقام لحاجة، فقال لي: ضع القلم على أذنك، فإنه أذكر للمملي وأفضى للحاجة.
وكان معيقيب بن أبي فاطمة يكتب مغانم النبي صلّى الله عليه وسلم.
وكان حنظلة بن الربيع بن المرقع بن صيفي، ابن أخي أكثم بن صيفي الأسيّدي، خليفة كل كاتب من كتاب النبي صلّى الله عليه وسلم إذا غاب عن عمله؛ فغلب عليه اسم الكاتب، وكان يضع عنده خاتمه، فقال له: الزمني وأذكرني بكل شيء أنا فيه؛ وكان لا يأتي على مال ولا طعام ثلاثة أيام إلا أذكره؛ فلا يبيت صلّى الله عليه وسلم وعنده منه شيء.
ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما بامرأة مقتولة يوم فتح مكة، فقال لحنظلة: الحق خالدا وقل له، لا تقتلنّ ذرية ولا عسيفا «1» . ومات حنظلة بمدينة الرّها، فقالت فيه امرأة؛ وحكي أنه من قول الجن وهذا محال:
يا عجب الدهر لمحزونة ... تبكي على ذي شيبة شاحب
إن تسأليني اليوم ما شفّني ... أخبرك قيلا ليس بالكاذب
إن سواد العين أودى به ... وجدي على حنظلة الكاتب
لما وجّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه سعدا إلى العراق وكتب إليه أن يسبّع القبائل أسباعا، ويجعل على كل سبع رجلا، فعل سعد ذلك، وجعل السّبع الثالث تميما وأسدا وغطفان وهوازن، وأميرهم حنظلة بن الربيع الكاتب. وكان أحد من سيّر إلى يزدجرد يدعوه إلى الإسلام.
وكان الحصين بن نمير من بني عبد مناة شهد بيعة الرضوان، ودعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليكتب صلح الحديبية فأبى ذلك سهيل بن عمرو، وقال: لا يكتب إلا رجل منا. فكتب علي بن أبي طالب.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: لما جاء سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالحديبية، حين صالح قريشا، كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب له، ثم ارتد ولحق بالمشركين، وقال: إن محمدا يكتب بما شئت! فسمع ذلك رجل من الأنصار، فحلف بالله إن أمكنه الله منه ليضربنّه ضربا بالسيف؛ فلما كان يوم فتح مكة جاء به عثمان- وكان بينهما رضاع- فقال: يا رسول الله هذا عبد الله قد أقبل تائبا. فأعرض عنه، والأنصاري مطيف به ومعه سيفه، فمدّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده وبايعه، وقال للأنصاري: لقد تلوّمتك «2» أن توفي بنذرك! فقال: هلا أو مضت إليّ! فقال صلّى الله عليه وسلم:
لا ينبغي لي أن أومض «3» .











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید