المنشورات

ما ينبغي للكاتب أن يأخذ به نفسه

قال إبراهيم الشيباني: أوّل ذلك حسن الخط، الذي هو لسان اليد، وبهجة الضمير، وسفير العقول، ووحي الفكرة، وسلاح المعرفة، وأنس الإخوان عند الفرقة، ومحادثتهم على بعد المسافة، ومستودع السر، وديوان الأمور.
ولست أجد لحسن الخط حدّا أقف عليه، أكثر من قول علي بن ربن النصراني الكاتب في الكاتب، فإني سألته واستوصفته الخط، فقال. أعلمك الخط في كلمة واحدة؟ فقلت له: تفضل بذلك. فقال: لا تكتب حرفا حتى تستفرغ مجهودك في كتابة الحرف، وتجعل في نفسك أنك لا تكتب غيره حتى تعجز عنه ثم تنتقل إلى ما بعده.
وإياك والنقط والشكل في كتابك، إلا أن تمرّ بالحرف المعضل الذي تعلم أن المكتوب إليه يعجز عن استخراجه؛ فإني سمعت سعيد بن حميد بن عبد الحميد الكاتب يقول: لأن يشكل الحرف على القارىء أحب إليّ من أن يعاب الكتاب بالشكل.
وكان المأمون يقول: إياكم والشّونيز «1» في كتبكم. يعني النقط والإعجام.
ومن ذلك: أن يصلح الكاتب آلته التي لابدّ منها، وأداته التي لا تتم صناعته إلا بها، مثل دواته، فلينعم ربّها «2» وإصلاحها، وليتخيّر من أنابيب القصب أقله عقدا، وأكثفه لحما، وأصلبه قشرا، وأعدله استواء؛ ويجعل لقرطاسه سكينا حادّا؛ لتكون عونا له على بري أقلامه، ويبريها من ناحية نبات القصبة؛ واعلم أنّ محل القلم من الكاتب كمحل الرمح من الفارس.
قال العتابي: سألني الأصمعي يوما في دار الرشيد: أي الأنابيب للكتابة أصلح، وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف بالهجير ماؤه، وستره عن تلويحه غشاؤه، من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور؛ الفضّيّة الكسور. قال: فأيّ نوع من البري أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطة، التي عن يمين سنها قرنة «3» تؤمن معها المجة عند المذة والمطة، للهواء في شقها فتيق، والريح في جوفها خريق «4» ، والمداد في خرطومها رقيق. قال العتابي: فبقي الأصمعي باهتا إليّ ضاحكا لا يحير مسألة ولا جوابا.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید