المنشورات

قول في الصحف

نعم الأنيس إذا خلوت كتاب ... تلهو به إن ملّك الأحباب
لا مفشيا سراّ إذا استودعته ... وتفاد منه حكمة وصواب
وقال آخر:
ولكلّ صاحب لذّة متنزّه ... أبدا، ونزهة عالم كتبه
وقال حبيب:
مداد مثل خافية الغراب ... وقرطاس كرقراق السّراب
وألفاظ كألفاظ المثاني ... وخطّ مثل وشم يد الكعاب
كتبت ولو قدرت هوى وشوقا ... إليك لكنت سطرا في الكتاب
وقال في صحيفة جاءته من عند الحسن بن وهب:
لقد جلّى كتابك كل بثّ ... جو وأصاب شاكلة الرّميّ «1»
فضضت ختامه فتبلّجت لي ... غرائبه عن الخبر الجليّ
وكان أغضّ في عيني وأندى ... على كبدي من الزهر الجنيّ
وأحسن موقعا عندي ومنّى ... من البشرى أتت بعد النّعيّ
وضمّن صدره ما لم تضمّن ... صدور الغانيات من الحليّ
فكائن فيه من معنى خطير ... وكائن فيه من لفظ بهيّ
فيا ثلج الفؤاد وكان رضفا ... ويا شبعي برونقه وريّي
فكم أفصحت عن بر جليل ... به ووأيت من وأي سنيّ
كتبت به بلا لفظ كريه ... على أذن ولا خّط قميّ «2»
رسالة من تمتّع منذ حين ... ومتّعنا من الأدب الرّضيّ
لئن غربتها في أرض بكر ... لقد زفّت إلى قلب وفيّ
وإن يك من هداياك الصّفايا ... فربّ هديّة لك كالهديّ «3»
وقال ابن أبي طاهر في ابن ثوابة:
في كلّ يوم صدور الكتب صادرة ... من رأيه وندى كفّيه عن منل
من خطّ أقلامه خطّ القضاء على ال ... أعداء والموت بين البيض والأسل
لعابها علل في الصدر تنفثه ... وربما كان فيه النّقع للغلل
كأنّ أسطارها في بطن مهرقها ... نور يضاحك دمع الواكف الخضل «4»
وقال البحتري في محمد بن عبد الملك الزيات:
قد تصرفت في الكتابة حتى ... عطّل الناس فنّ عبد الحميد
في نظام من البلاغة ما ش ... كّ امرؤ أنّه نظام فريد
وبديع كأنه الزهر الضّا ... حك في رونق الربيع الجديد
ما اغتدت منه في بطون القراطي ... س وما حمّلت ظهور البريد
حجج تخرس الألدّ بألفا ... ظ فرادى كالجوهر المعدود
حزن مستعمل الكلام اختيارا ... وتجنّبن ظلمة التّعقيد
كالعذارى غدون في الحلل البي ... ض إذا رحن في الخطوب السّود
وقال عليّ بن الجهم في رقعة جاءته بخط جيّد:
ما رقعة جاءتك مثنية ... كأنها خدّ على خدّ
ساهمة الأسطر مصروفة ... عن جهة الهزل إلى الجدّ
يا كاتبا أسلمني عتبه ... إليك، حسبي منك ما عندي!
وقال محمد بن إبراهيم بن محمد الشيباني: رفع أبان بن عبد الحميد اللاحقي إلى الفضل بن يحيى بن خالد، رقعة بأبيات له يصف فيها قامته، وكثافة لحيته، وحلاوة شمائله، وبراعة أدبه، وبلاغة قلمه؛ فقال:
أنا من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح
كاتب حاسب أديب لبيب ... ناصح زائد على النّصّاح
شاعر مفلق أخف من الرّي ... شة ممّا يكون تحت الجناح
لي في النّحو قطنة ونفاذ ... أنا فيه قلادة بوشاح «1»
لو رمى بي الأمير أصلحه الله ... رماحا صدمت حدّ الرّماح
ثم أروى من ابن سيرين في الفق ... هـ بقول منوّر الإفصاح
لست بالضّخم في روائي ولا الفد ... م ولا بالمجعّد الدّحداح «2»
لحية كثّة وأنف طويل ... واتّقاد كشعلة المصباح
وكثير الحديث من ملح النا ... س بصير بخافيات ملاح
كم وكم قد خبأت عندي حديثا ... هو عند الأمير كالتّفاح
أيمن الناس طائرا يوم صيد ... في غدوّ أو بكرة أو رواح
أعلم الناس بالجوارح والصّي ... د وبالخرد الحسان الملاح
كلّ هذا جمعت والحمد ... لله على أنني ظريف المزاح
لست بالنّاسك المشمّر ثوبي ... هـ ولا الفاتك الخليع الوقاح
لو دعاني الأمير عاين منّي ... شمّرياّ كالبلبل الصدّاح «1»
قال: فدعاه فلما دخل عليه أتاه كتاب من أرمينية، فرمى به إليه، وقال له:
أجب. فأجاب بما في غرضه وأحسن، فأمر له بألف ألف درهم؛ وكنا نراه أول داخل وآخر خارج؛ وكان إذا ركب فركابه مع ركابه.
قال محمد بن يزيد: فبلغ هذا الشعر أبا نواس، فقال:
أنت أولى بقلّة الحظّ منّي ... يا مسمّى بالبلبل الصدّاح
قد رأوا منه حين غنّى لديهم ... أخرس القول غير ذي إفصاح
ثم بالرّيش شبّه النّفس في الخ ... فّة ممّا يكون تحت الجناح
فإذا الشّم من شماريخ رضوى ... خفّة عنده نوى المسباح «2»
لم يكن فيك غير شيئين ممّا ... قلت في نعت خلقك الدّحداح
لحية جعدة وأنف طويل ... وسوى ذاك ذاهب في الرياح
فيك ما يحمل الملوك على السّخ ... ف ويزري بالماجد الجحجاح «3»
بارد الطرف، مظلم الّلبّ، تيا ... هـ، معيد الحديث، سمج المزاح
قال: فبعث إليه أبان بأن لا تذيعها وخذ الألف ألف درهم! فبعث إليه أبو نواس: لو أعطيتني مائة ألف ألف درهم لم أجد بداّ من إذاعتها. فيقال: إن الفضل ابن يحيى لما سمع شعر أبي نواس قال: لا حاجة لي في أبان، لقد رمي بخمس في بيت لا يقبله على واحدة منهن إلا جاهل. فقيل له: كذب عليه. فقال: قد قيل ذاك.
فأقصاه؛ وإنما أغرى أبا نواس بهذا الكاتب: أبان بن عبد الحميد اللاحقي، أن الفضل بن يحيى أعطاه مالا يفرّقه في الشعراء، ويعطي كل واحد على قدره؛ فبعث إلى أبي نواس بدرهم زائف ناقص، وقال: إني أعطيت كل شاعر على مقدار شعره، وكان هذا أوفر نصيبك عندي. فهجاه لذلك.













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید