المنشورات

فصول في عتاب

كتب أحمد بن يوسف:
لولا حسن الظن بك- أعزّك الله- لكان في إغضائك عني ما يقبضني عن الطّلبة إليك، ولكن أمسك برمق من الرجاء علمي برأيك في رعاية الحق، وبسط يدك إلى الذي لو قبضتها عنه، لم يكن له إلا كرمك مذكّرا، وسوددك شافعا فصل: أما بعد البرء من مريض داؤه في دوائه، وعلّته في حميته! أنا منك كالغاصّ بالماء لا مساغ له.
وكما قال الشاعر:
كنت من كربتي أفرّ إليهم ... وهم كربتي، فأين الفرار؟
فصل: أنا منتظر واحدة من اثنتين: عتبي تكون منك، أو عقبي تغني عنك! 
فصل: أما بعد، فقد كنت لنا كلّك، فاجعل لنا بعضك، ولا نرضى إلا بالكل لك منا.
فصل: أنا أبقي على ودّك من عارض يغيّره، أو عتاب يقدح فيه، وآمل عائدا من حسن رأيك، يغني عن اقتضائك.
فصل: ألهمك الله من الرشد بحسب ما منحك من الفضل. لو أن كل من نازع إلى الصرم قلّدناه عنان الهجر، لكنّا أولى بالذنب منه ولكن نردّ عليك من نفسك ونأخذ لها منك.
فصل: لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين.
أما بعد، فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك؛ ابتدأتني بلطف عن غير خبرة، وأعقبته جفاء من غير ذنب؛ فأطمعني أوّلك في إخائك، وآيسني آخرك من وفائك؛ فسبحان من لو شاء لكشف من أمرك عن عزيمة الرأي فيك؛ فأقمنا على ائتلاف أو افترقنا على اختلاف! فصل: إذا جعلت الظنّ شاهدا تعدل شهادته بعد أن جعلته حكما يحيف في حكومته، فأين الموئل من جورك؟ ولست أسلك طريقا من العتب عليك إلا شدّة ما أنطوى عليه من مودتك، ولا سبيل إلى شكايتك إلا إليك، ولا استعانة إلا بك، وما أحقّ من جعلك على أمر عونا أن تكون له إلى النجاح سببا! وقال الشاعر:
عجبت لقلبك كيف انقلب ... ومن طول ودّك، أنى ذهب
وأعجب من ذا وذا أنني ... أراك بعين الرّضا في الغضب!
وفصل: إن مسألتي إليك حوائجي مع عتبك عليّ من اللؤم وإن إمساكي! عنها في حال ضرورة إليها مع علمي بكرمك في السخط والرضا، لعجز؛ غير أني أعلم أن أقرب الوسائل في طلب رضاك، مساءلتك ما سنح من الحاجة؛ إذ كنت لا تجعل عتبك سببا لمنع معروفك.
وفصل: لو كانت الشكوك تختلجني في صحة مودّتك وكريم إخائك ودوام عهدك، لطال عتبي عليك، في تواتر كتبي واحتباس جواباتها عني؛ ولكن الثقة بما تقدم عندي، تعذرك وتحسن ما يقبّحه جفاؤك، والله يديم نعمته لك ولنا بك.
وفصل لابن المدبر: وصل كتابك المفتتح بالعتاب الجميل، والتقريع اللطيف؛ فلولا ما غلب عليّ من السرور بسلامتك، لتقطعت غماّ بعتابك، الذي لطف حتى كاد يخفى عن أهل الرقة والفطنة، وغلظ حتى كاد يفهمه أهل الجهل والبله؛ فلا أعدمني الله رضاك مجازيا به على ما استحقّه عتبك، فأنت ظالم فيه، فهو وليّ المخرج منه.
وقال أبو الدرداء: إعتاب الأخ خير من فقده.
وقال الشاعر:
إذا ذهب العتاب فليس ودّ ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب
وقال آخر في غير هذا المعنى:
إذا كنت تغضب من غير ذنب ... وتعتب في كلّ يوم عليّا
طلبت رضاك، فإن عزّني ... عددتك ميتا وإن كنت حيّا
ولا تعجبنّ بما في يديك ... فأكثر منه الذي في يديّا!
وفصل في عتاب: العتاب قبل العقاب؛ فليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.
وفصل: قد حميت جانب الأمل فيك، وقطعت أسباب الرجاء منك وقد أسلمني اليأس منك إلى العزاء عنك؛ فإن ترغب من الآن فصفح لا تثريب معه، وإن تماديت فهجر لا وصل بعده.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید