المنشورات

سقيفة بني ساعدة

أحمد بن الحارث عن أبي الحسن عن أبي معشر عن المقبري: أن المهاجرين بينما هم في حجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد قبضه الله إليه، إذ جاء معن بن عديّ وعويم بن ساعدة، فقالا لأبي بكر: باب فتنة إن يغلقه الله بك؛ هذا سعد بن عبادة والأنصار يريدون أن يبايعوه. فمضى أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، حتى جاءوا سقيفة بني ساعدة، وسعد على طنفسة «1» متكئا على وسادة، وبه الحمّى، فقال له أبو بكر: ماذا ترى أبا ثابت؟ قال: أنا رجل منكم. فقال حباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجريّ في الأنصاري شيئا رد عليه، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئا ردّ عليه، وإن لم تفعلوا، فأنا جذيلها «2» المحكّك وعذيقها «3» المرجّب، لنعيدنّها جذعة «4» ! قال عمر: فأردت أن أتكلم، وكنت زوّرت كلاما في نفسي، فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر. فما ترك كلمة كنت زوّرتها في نفسي إلا تكلم بها، وقال:
نحن المهاجرون؛ أوّل الناس إسلاما، وأكرمهم أحسابا، وأوسطهم دارا، وأحسنهم وجوها، وأمسّهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحما؛ وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم وواسيتم، فجزاكم الله خيرا؛ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تدين العرب إلا لهذا الحيّ من قريش، فلا تنفسوا على إخوانكم المهاجرين ما فضّلهم الله به؛ فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين. يعني عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح.
فقال عمر: يكون هذا وأنت حي؟ ما كان أحد ليؤخّرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
ثم ضرب على يده فبايعه، وبايعه الناس وازدحموا على أبي بكر، فقال الأنصار:
قتلتم سعدا! فقال عمر: اقتلوه قتله الله فإنه صاحب فتنة! فبايع الناس أبا بكر، وأتوا به المسجد يبايعونه، فسمع العباس وعلى التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال علي: ما هذا؟ قال العباس: ما رؤي مثل هذا قط ما قلت لك.
ومن حديث النعمان بن بشير الأنصاري: لما ثقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكلم الناس فيمن يقوم بالأمر بعده، فقال قوم: أبو بكر، وقال قوم: أبي بن كعب. قال النعمان بن بشير: فأتيت أبيا فقلت: يا أبيّ، الناس قد ذكروا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستخلف أبا بكر أو إياك، فانطلق حتى تنظر في هذا الأمر، فقال: إن عندي في هذا أمر من رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا ما أنا بذاكره حتى يقبضه الله إليه. ثم انطلق وخرجت معه حتى دخلنا على النبي صلّى الله عليه وسلم بعد الصبح، وهو يحسو حسوا في قطعة مشعوبة «1» ، فلما فرغ أقبل على أبيّ فقال: هذا ما قلت لك قال: فأوص بنا. فخرج يخط برجليه حتى صار على المنبر ثم قال:
يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار كما هي لا تزيد، ألا وإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي من أمرهم شيئا فليقبل من محسنهم ويعف عن مسيئهم.
ثم دخل، فلما توفي، قيل لي: هاتيك الأنصار مع سعد بن عبادة يقولون: نحن أولى بالأمر. والمهاجرون يقولون: لنا الأمر دونكم! فأتيت أبيا فقرعت بابه، فخرج إليّ ملتحفا، فقلت: ألا أراك قاعدا ببيتك مغلقا عليك بابك، وهؤلاء قومك في بني ساعدة ينازعون المهاجرين، فأخرج إلى قومك فخرج، فقال:
إنكم والله ما أنتم من هذا الأمر في شيء، وإنه لهم دونكم؛ يليها من المهاجرين رجلان، ثم يقتل الثالث، وينزع الأمر فيكون ههنا- وأشار إلى الشام- وإن هذا الكلام لمبلول بريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ثم أغلق بابه ودخل.
ومن حديث حذيفة قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: «إنّي لا أدري ما بقائي فيكم؛ فاقتدوا باللذين من بعدي- وأشار إلى أبي بكر وعمر- واهتدوا بهدى عمّار، وما حدثكم ابن مسعود فصدّقوه.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید