المنشورات

استخلاف أبي بكر لعمر

عبد الله بن محمد التيمي عن محمد بن العزيز، أن أبا بكر الصديق حين حضرته الوفاة كتب عهده وبعث به مع عثمان بن عفان ورجل من الأنصار ليقرآه على الناس فلما اجتمع الناس قاما فقالا: «هذا عهد أبي بكر فإن تقرّوا به نقرأه، وإن تنكروه نرجعه» فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا عهد أبي بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويتقي الفاجر، ويصدق الكاذب، أمّرت عليكم عمر بن الخطاب، فإن عدل واتقى فذاك ظني به ورجائي فيه، وإن بدّل وغيّر، فالخير أردت، ولا يعلم الغيب إلا الله.
قال أبو صالح: أخبر محمد بن وضاح، قال: حدثني محمد بن رمح بن مهاجر التّجيبي، قال: حدثني الليث بن سعد عن علوان عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه، أنه دخل على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقا، فقال: أصبحت بحمد الله بارئا.
قال أبو بكر: أتراه؟
قال: نعم.
قال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، ولمّا لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدّ عليّ من وجعي؛ إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون له الأمر من دونه، ورأيتم الدنيا مقبلة ولن تقبل، وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألمنّ الاضطجاع على الصوف الأذربيّ «1» ،كما يألم أحدكم الاضطجاع على شوك السعدان، والله لأن يقدّم أحدكم فيضرب عنقه في غير حدّ، خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، ألا وإنكم أول ضال بالناس غدا فتصدونهم عن الطريق يمينا وشمالا، يا هادي الطريق جرت، إنما هو الفجر أو البحر.
قال: فقلت له: خفّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك «1» على ما بك؛ إنما الناس في أمرك بين رجلين: إما رجل رأى ما رأيت فهو معك، وإما رجل خالفك فهو يشير عليك برأيه، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحا مصلحا، مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا.
فقال: أجل، إني لا آسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن، وودت أني تركتهن، وثلاث تركتهن وودت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهن:
فأما الثلاث التي فعلتهن ووددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء؛ وإن كانوا أغلقوه على الحرب، ووددت أني لم أكن حرّقت الفجاءة السلمى، وأني قتلته سريحا أو خليته نجيحا «2» ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قدفت الأمر في عنق أحد الرجلين، فكان أحدهما أميرا وكنت له وزيرا. يعني بالرجلين: عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح.
وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني فعلتهن: فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إليّ أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه؛ ووددت أني يوم سيّرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصّة «3» ؛ فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن انهزموا كنت بصدد لقاء أو مدد؛ ووددت أني وجهت خالد بن الوليد إلى الشام، ووجّهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يديّ كلتيهما في سبيل الله.
وأما الثلاث التي وددت أني سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهن: فإني وددت أني سألته:
لمن هذا الأمر من بعده؟ فلا ينازعه أحد؛ وأني سألته: هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ فلا يظلموا نصيبهم منه؛ ووددت أني سألته عن بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منهما شيئا.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید