المنشورات

في مقتل عثمان بن عفان

أبو الحسن عن مسلمة عن ابن عون قال: كان ممن نصر عثمان سبعمائة، فيهم الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير؛ ولو تركهم عثمان لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها.
أبو الحسن عن جبير بن سيرين قال: دخل ابن بديل على عثمان وبيده سيف، وكانت بينهما شحناء «3» ، فضربه بالسيف، فاتقاه بيده، فقطعها، فقال: أما إنها أول كف خطّت المفصّل.
أبو الحسن قال: يوم قتل عثمان يقال له يوم الدار. وأغلق على ثلاث من القتل:
غلام أسود كان لعثمان، وكنانة بن بشر، وعثمان.
أبو الحسن قال: قال سلامة بن روح الخزاعي لعمرو بن العاص: كان بينكم وبين الفتنة باب فكسرتموه، فما حملكم على ذلك؟ قال: أردنا أن نخرج الحق من حفيرة الباطل، وأن يكون الناس في الحق سواء.
مجالد عن الشعبي قال: كتب عثمان إلى معاوية: أن امددني. فأمدّه بأربعة آلاف مع يزيد بن أسد بن كرز البجلي. فتلقاه الناس بقتل عثمان، فانصرف، فقال: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها مختلفا إلا قتلته؛ لأن الخاذل والقاتل سواء.
قيس بن رافع قال: قال زيد بن ثابت: رأيت عليّا مضطجعا في المسجد، فقلت.
أبا الحسن، إن الناس يرون أنك لو شئت رددت الناس عن عثمان. فجلس ثم قال:
والله ما أمرتهم بشيء ولا دخلت في شيء من شأنهم. قال: فأتيت عثمان فأخبرته، فقال:
وحرّق قيس عليّ البلا ... د حتى إذا اضطرمت أجذما «1»
الفضل عن كثير عن سعيد المقبري قال. لما حصروا عثمان ومنعوه الماء، قال الزبير: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ
«2» ! ومن حديث الزهري قال: لما قتل مسلم بن عقبة أهل المدينة يوم الحرّة، قال عبد الله بن عمر: بفعلهم في عثمان وربّ الكعبة! ابن سيرين عن ابن عباس قال: لو أمطرت السماء دما لقتل عثمان لكان قليلا له! أبو سعيد مولى أبي حذيفة قال: بعث عثمان إلى أهل الكوفة: من كان يطالبني بدينار أو درهم أو لطمة فيأت يأخذ حقه أو يتصدق، فإن الله يجزي المتصدقين.
قال: فبكى بعض القوم، وقالوا: تصدّقنا! ابن عون عن ابن سيرين قال: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم أشدّ على عثمان من طلحة!
أبو الحسن قال: كان عبد الله بن عباس يقول: ليغلبنّ معاوية وأصحابه عليا وأصحابه؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً
«1» .
أبو الحسن قال: كان ثمامة الأنصاري عاملا لعثمان، فلما أتاه قتله بكى وقال:
اليوم انتزعت خلافة النّبوّة من أمّة محمد، وصار الملك بالسيف، فمن غلب على شيء أكله.
أبو الحسن: عن أبي مخنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي، أن نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان بن عفان كتبت إلى معاوية كتابا مع النعمان بن بشير، وبعثت إليه بقميص عثمان مخضوبا بالدماء، وكان في كتابها:
«من نائلة بنت الفرافصة إلى معاوية بن أبي سفيان؛ أما بعد، فإني أدعوكم إلى الله الذي أنعم عليكم، وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر ونصركم على العدوّ، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة؛ وأنشدكم الله، وأذكّركم حقّه وحق خليفته أن تنصروه بعزم الله عليكم؛ فإنه قال: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ
«2» . وإن أمير المؤمنين بغي عليه، ولو لم يكن لعثمان عليكم إلا حقّ الولاة، [ثم أتي إليه ما أتي] لحقّ على كل مسلم يرجو إمامته أن ينصره فكيف وقد علمتم قدمه في الإسلام، وحسن بلائه، وأنه أجاب [داعي] الله وصدّق كتابه واتّبع رسوله، والله علم به إذ انتخبه فأعطاه شرف الدنيا وشرف الآخرة.
وإني أقص عليكم خبره؛ إني شاهدة أمره كلّه. إن أهل المدينة حصروه في داره، ويحرسونه ليلهم ونهارهم قياما على أبوابه بالسلاح، يمنعونه كل شيء قدروا عليه، حتى منعوه الماء؛ فمكث هو ومن معه خمسين ليلة، وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى علي، ومحمد بن أبي بكر، وعمار بن ياسر، وطلحة والزبير، فأمروهم بقتله؛ وكان معهم من القبائل: خزاعة، وسعد بن بكر، وهذيل، وطوائف من جهينة ومزينة وأنباط يثرب؛ فهؤلاء كانوا أشدّ الناس عليه.
ثم إنه حصر فرشق بالنّبل والحجارة، فجرح ممن كان في الدار ثلاثة نفر معه، فأتاه الناس يصرخون إليه ليأذن لهم في القتال، فنهاهم وأمرهم أن يردوا إليهم نبلهم، فردّوها عليهم، فما زادهم ذلك في القتل إلا جرأة، وفي الأمر إلا إغراقا؛ فحرّقوا باب الدار؛ ثم جاء [ثلاثة] نفر من أصحابه فقالوا: إن [في المسجد] ناسا يريدون أن يأخذوا أمر الناس بالعدل، فاخرج إلى المسجد يأتوك. فانطلق فجلس فيه ساعة وأسلحة القوم مظلة عليه من كل ناحية، فقال: ما أرى اليوم أحدا يعدل! فدخل الدار، وكان معه نفر ليس على عامتهم سلاح فلبس درعه وقال لأصحابه: لولا أنتم ما لبست اليوم درعي. فوثب عليه القوم فكلمهم ابن الزبير، وأخذ عليهم ميثاقا في صحيفة وبعث بها إلى عثمان: عليكم عهد الله وميثاقه أن لا تقربوه بسوء حتى تكلموه وتخرجوا. فوضع السلاح، ولم يكن إلا وضعه ودخل عليه القوم يقدمهم محمد ابن أبي بكر، فأخذوا بلحيته ودعوه باللقب؛ فقال: أبا عبد الله وخليفته عثمان.
فضربوه على رأسه ثلاث ضربات، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات، وضربوه على مقدم الجبين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم؛ فسقطت عليه وقد أثخنوه وبه حياة، وهم يريدون أن يقطعوا رأسه فيذهبوا به، فأتتني ابنة شيبة بن ربيعة فألقت بنفسها معي [عليه] ، فوطئنا وطأ شديدا، وعرّينا من حلينا، وحرمة أمير المؤمنين أعظم؛ فقتلوا أمير المؤمنين في بيته مقهورا على فراشه، وقد أرسلت إليكم بثوبه عليه دمه، وإنه والله إن كان أثم من قتله لما سلم من خذله، فانظروا أين أنتم من الله، وأنا أشتكي على ما مسنا إلى الله عز وجل، وأستصرخ بصالحي عباده؛ فرحم الله عثمان ولعن قتلته وصرعهم في الدنيا مصارع الخزي والمذلة، وشفى منهم الصدور» .
فحلف رجال من أهل الشام ألا يمسوا غسلا حتى يقتلوا عليا أو تفنى أرواحهم وقال الفرزدق في قتل عثمان:
إنّ الخلافة لمّا أظعنت ظعنت ... عن أهل يثرب إذ غير الهدى سلكوا «1»
صارت إلى أهلها منهم ووارثها ... لما رأى الله في عثمان ما انتهكوا
السّافكي دمه ظلما ومعصية ... أيّ دم لا هدوا من غيّهم سفكوا
وقال حسان:
إن تمس دار بني عثمان خاوية ... باب صريع وبيت محرق خرب «2»
فقد يصادف باغي الخير حاجته ... فيها ويأوي إليها المجد والحسب
يا معشر الناس أبدوا ذات أنفسكم ... لا يستوي الحقّ عند الله والكذب











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید