المنشورات

تبرؤ عليّ من دم عثمان

قال علي بن أبي طالب على المنبر: والله لئن لم يدخل الجنة إلا من قتل عثمان لا دخلتها أبدا، ولئن لم يدخل النار إلا من قتل عثمان لا دخلتها أبدا.
وأشرف عليّ من قصر له بالكوفة، فنظر إلى سفينة في دجلة فقال: والذي أرسلها في بحره مسخرة بأمره، ما بدأت في أمر عثمان بشيء، ولئن شاءت بنو أمية لأباهلنّهم «3» عند الكعبة خمسين يمينا ما بدأت في حق عثمان بشيء. فبلغ هذا الحديث عبد الملك بن مروان، فقال: إني لأحسبه صادقا.
وقال معبد الخزاعي: لقيت عليا بعد الجمل، فقلت له إني سائلك عن مسألة كانت منك ومن عثمان، فإن نجوت اليوم نجوت غدا إن شاء الله. قال: سل عما بدا لك. قلت: أخبرني، أي منزلة وسعتك إذ قتل عثمان ولم تنصره؟ قال: إنّ عثمان كان إماما، وإنه نهى عن القتال وقال: من سلّ سيفه فليس مني! فلو قاتلنا دونه عصينا.
قال: فأي منزلة وسعت عثمان إذ استسلم حتى قتل؟ قال: المنزلة التي وسعت ابن آدم، إذ قال لأخيه: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ
«1» . قلت: فهلا وسعتك هذه المنزلة يوم الجمل؟ قال: إنا قاتلنا يوم الجمل من ظلمنا، قال الله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
«2» . فقاتلنا نحن من ظلمنا، وصبر عثمان؛ وذلك من عزم الأمور.
ومن حديث بكر بن حماد: أنّ عبد الله بن الكواء سأل عليّ بن أبي طالب يوم صفين، فقال له: أخبرني عن مخرجك هذا تضرب الناس بعضهم ببعض، أعهد عهده إليك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أم رأي ارتأيته؟
قال عليّ: اللهم إني كنت أول من آمن به، فلا أكون أول من كذب عليه؛ لم يكن عندي فيه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولو كان عندي فيه عهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما تركت أخا تيم وعديّ على منابرها، ولكن نبينا صلّى الله عليه وسلم كان نبيّ رحمة، مرض أياما وليالي، فقدّم أبا بكر على الصلاة، وهو يراني ويرى مكاني، فلما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، رضيناه لأمر دنيانا إذ رضيه رسول الله لأمر ديننا، فسلمت له وبايعت، وسمعت وأطعت؛ فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأقيم الحدود بين يديه؛ ثم أتنه منيته، فرأى أن عمر أطوق «3» لهذا الأمر من غيره، وو الله ما أراد به المحاباة ولو أرادها لجعلها في أحد ولديه، فسلمت له وبايعت، وأطعت وسمعت؛ فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأقيم الحدود بين يديه: ثم أتته منيته، فرأى أنه من استخلف رجلا فعمل بغير طاعة الله عذبه الله به في قبره، فجعلها شورى بين ستة نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكنت أحدهم، فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا وعهودنا على أن يخلع نفسه وينظر لعامّة المسلمين؛ فبسط يده إلى عثمان فبايعه؛ اللهم إن قلت إني لم أجد في نفسي فقد كذبت، ولكنني نظرت في أمري فوجدت طاعتي قد تقدمت معصيتي، ووجدت الأمر الذي كان بيدي قد صار بيد غيري، فسلمت وبايعت، وأطعت وسمعت: فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزوا إذا أغزاني، وأقيم الحدود بين يديه، ثم نقم الناس عليه أمورا فقتلوه، ثم بقيت اليوم أنا ومعاوية، فأرى نفسي أحقّ بها من معاوية؛ لأني مهاجري وهو أعرابي، وأنا ابن عمّ رسول الله وصهره، وهو طليق ابن طليق» .
قال له عبد الله بن الكواء: صدقت، ولكن طلحة والزبير، أما كان لهما في هذا الأمر مثل الذي لك؟
قال: إن طلحة والزبير بايعاني في المدينة، ونكثا بيعتي بالعراق؛ فقاتلتهما على نكثهما ولو نكثا بيعة أبي بكر وعمر لقاتلاهما على نكثهما كما قاتلتهما. قال: صدقت.
ورجع إليه.
واستعمل عبد الملك بن مروان نافع بن علقمة بن صفوان على مكة، فخطب ذات يوم وأبان بن عثمان قاعد عند أصل المنبر، فنال من طلحة والزبير، فلما نزل قال لأبان: أرضيتك من المدهنين «2» في أمر أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكنك سؤتني، حسبي أن يكونا بريئين من أمره.
وعلى هذا المعنى قال إسحاق بن عيسى: أعيذ عليّا بالله أن يكون قتل عثمان وأعيذ عثمان أن يكون قلته عليّ! وهذا الكلام على مذهب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيّا أو قتله نبيّ.
سعيد بن جبير عن أبي الصهباء، أن رجالا ذكروا عثمان، فقال رجل من القوم:
إني أعرف لكم رأي عليّ فيه فدخل الرجل على عليّ فنال من عثمان، فقال على: دع عنك عثمان، فو الله ما كان بأشرّنا، ولكنه ولي فاستأثر، فحرمنا فأساء الحرمان.
وقال عثمان بن حنيف: إني شهدت مشهدا اجتمع فيه علي وعمار ومالك الأشتر وصعصعة، فذكروا عثمان، فوقع فيه عمار، ثم أخذ مالك فحذا حذوه، ووجه عليّ يتمعّر «1» ، ثم تكلم صعصعة. فقال: ما على رجل يقول: كان والله أول من وليّ فاستأثر، وأول من تفرقت عنه هذه الأمة! فقال علي: إليّ أبا اليقظان. لقد سبقت عثمان سوابق لا يعذّبه الله بها أبدا.
محمد بن حاطب قال: قال لي عليّ يوم الجمل، انطلق إلى قومك فأبلغهم كتبي وقولي. فقلت إن قومي إذا أتيتهم يقولون: ما قول صاحبك في عثمان؟ فقال:
أخبرهم أن قولي في عثمان أحسن القول؛ إن عثمان كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتّقوا وأحسنوا، والله يحبّ المحسنين.
جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال: ما علمت أنّ عليا اتّهم في دم عثمان حتى بويع، فلما بويع اتهمه الناس.
محمد بن الحنفية قال: إني عن يمين علي يوم الجمل، وابن عباس عن يساره، إذ سمع صوتا، فقال: ما هذا؟ قالوا: عائشة تلعن قتلة عثمان. فقال عليّ: لعن الله قتلة عثمان في السهل والجبل والبحر والبر.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید