المنشورات

مقتل الزبير بن العوّام

شريك عن الأسود بن قيس قال: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل يقعص الخيل بالرمح قعصا، فنوّه به عليّ: أبا عبد الله، أتذكر يوما أتانا النبي صلّى الله عليه وسلم وأنا أناجيك فقال: أتناجيه، والله ليقاتلنّك وهو ظالم لك! قال: فصرف الزبير وجه دابته وانصرف.
قال أبو الحسين: لما انحاز الزبير يوم الجمل، مرّ بماء لبني تميم؛ فقيل للأحنف بن قيس: هذا الزبير قد أقبل. قال: وما أصنع به أن جمع بين هذين الغزيين «3» وترك الناس وأقبل؟ - يريد بالغزيّين: المعسكرين-، وفي مجلسه عمرو بن جرموز المجاشعي؛ فلما سمع كلامه قام من مجلسه واتبعه حتى وجده بوادي السباع نائما فقتله، وأقبل برأسه إلى علي بن طالب، فقال عليّ: أبشر بالنار! سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: بشروا قاتل الزبير بالنار! فخرج عمرو بن جرموز وهو يقول:
أتيت عليّا برأس الزّبير ... وكنت أحسبها زلفه
فبشّر بالنّار قبل العيان ... فبئس بشارة ذي التحفه
ومن حديث ابن أبي شيبة قال: أقبل رجل بسيف الزبير إلى الحسن بن علي فقال:
لا حاجة لي به، أدخله إلى أمير المؤمنين. فدخل به إلى عليّ فناوله إياه وقال: هذا سيف الزبير. فأخذه عليّ، فنظر إليه مليا، ثم قال: رحم الله الزبير! لطالما فرّج الله به الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وقالت امرأة الزبير ترثيه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة ... يوم الهياج وكان غير معرّد «1»
يا عمرو لو نبّهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المعتمّد
وقال جرير ينعي علي بن مجاشع قتل الزبير رضي الله تعالى عنه:
إني تذكّرني الزبير حمامة ... تدعو ببطن الواديين هديلا «2»
قالت قريش ما أذلّ مجاشعا ... جارا وأكرم ذا القتيل قتيلا
لو كنت حرّا يا ابن قين مجاشع ... شيّعت ضيفك فرسخا أو ميلا
أفبعد قتلكم خليل محمّد ... ترجو القيون مع الرسول سبيلا «3»
هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: دعاني أبي يوم الجمل فقمت عن يمينه، فقال: إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وما أراني إلا سأقتل مظلوما، وإن أكبر همي ديني، فبع مالي ثم اقض ديني؛ فإن فضل شيء فثلثه لولدك، وإن عجزت عن شيء يا بني فاستعن مولاي. قلت: ومن مولاك يا أبت؟ قال: الله! قال عبد الله بن الزبير: فو الله ما بقيت بعد ذلك في كربة من دينه أو عسرة إلا قلت: يا مولى الزبير، اقض عنه دينه! فيقضيه، قال: فقتل الزبير ونظرت في دينه، فإذا هو ألف ألف ومائة ألف. قال: فبعث ضيعة له بالغابة «1» بألف ألف وستمائة ألف، ثم ناديت: من كان له قبل الزبير شيء فليأتنا نقضه. فلما قضيت دينه أتاني إخوتي فقالوا: اقسم بيننا ميراثنا. قلت: والله لا أقسم حتى أنادي أربع سنين بالمواسم: من كان له على الزبير شيء فليأتنا نقضه. فلما مضت الأربع سنين أخذت الثلث لولدي؛ ثم قسمت الباقي، فصار لكل امرأة من نسائه- وكان له أربع نسوة- في ربع الثمن ألف ألف ومائة ألف، فجميع ما ترك مائة ألف ألف وسبعمائة ألف ألف.
ومن حديث ابن أبي شيبة قال: كان عليّ يخرج مناديه يوم الجمل يقول: لا يسلبنّ قتيل، ولا يتّبع مدّبر، ولا يجهز على جريح.
قال: وخرج كعب بن ثور من البصرة قد تقلد المصحف في عنقه؛ فجعل ينشره بين الصفين ويناشد الناس في دمائهم، إذ أتاه سهم فقتله وهو في تلك الحال، لا يدري من قتله.
وقال علي بن أبي طالب يوم الجمل للأشتر- وهو مالك بن الحرث- وكان على الميمنة: احمل. فحمل فكشف من بإزائه، وقال لهاشم بن عقبة أحد بني زهرة بن كلاب، وكان على الميسرة، أحمل. فحمل فكشف من بإزائه؛ فقال علي لأصحابه:
كيف رأيتم ميسرتي وميمنتي.












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید