المنشورات

حديث الجمل

الخشني عن أبي خاتم السجستاني قال: أنشدني الأصمعي عن رجل شهد الجمل يقول:
شهدت الحروب وشيبنني ... فلم تر عيني كيوم الجمل
أضرّ على مؤمن فتنة ... وأفتك منه لخرق بطل «1»
فليت الظعينة في بيتها ... وليتك عسكر لم ترتحل
وكان جملها يدعى عسكرا، حملها عليه يعلى بن منية، وهبة لعائشة وجعل له هودجا من حديد، وجهز من ماله خمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم وكان أكثر أهل البصرة مالا. وكان بن أبي طالب يقول: بليت بأنضّ «2» الناس، وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس، يريد بأنضّ الناس: يعلى بن منية، وكان أكثر الناس ناضا، ويريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيد الله، وأطوع الناس في الناس: عائشة أم المؤمنين.
أبو بكر بن أبي شيبة عن مخلد بن عبيد عن التميمي قال: كانت راية عليّ يوم الجمل سوداء، وراية أهل البصرة كالجمل.
الأعمش عن رجل سماه قال: كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثم يرجع فيقول: لا تلوموني ولوموا هذا! ثم يعود ويقوّمه.
ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: قال عبد الله بن الزبير، التقيت مع الأشتر يوم الجمل، فما ضربته ضربة حتى ضربني خمسة أو ستة، ثم جر برجلي فألقاني في الخندق، وقال: والله لولا قربك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما اجتمع فيك عضو إلى آخر.
أبو بكر بن أبي شيبة قال: أعطت عائشة الذي بشرّها بحياة ابن الزبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل، أربعة آلاف.
سعيد عن قتادة قال: قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفا، منهم ثمانمائة من بني ضبة.
وقالت عائشة: ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عديّ.
وقتل من أصحاب عليّ خمسمائة رجل، لم يرعف منهم إلا علباء بن الهيثم وهند الجملي، قتلهما ابن اليثربي، وأنشأ يقول:
إني لمن يجهلني ابن اليثربيّ ... قتلت علباء وهند الجملي
عبد الله بن عون عن أبي رجاء قال: لقد رأيت الجمل حينئذ وهو كظهر القنفذ من النبل، ورجل من بني ضبة آخذ بخطامه «1» وهو يقول:
نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل ... الموت أحلى عندنا من العسل
ننعي ابن عفّان بأطراف الأسل
غندر قال: حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الله بن سلمة- وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل- والحارث بن سويد- وكان مع طلحة والزبير- وتذاكرا وقعة الجمل؛ فقال الحارث بن سويد: والله ما رأيت مثل يوم الجمل لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا، وأشرعنا رماحنا في صدورهم، ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت؛ يقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر ويقول هؤلاء: لا إله إلا الله والله أكبر، فو الله لوددت أني لم أشهد ذلك اليوم وأني أعمى مقطوع اليدين والرجلين.
وقال عبد الله بن سملة: والله ما يسرني أني غبت عن ذلك اليوم، ولا عن مشهد شهده عليّ بن أبي طالب، بحمر النّعم.
علي بن عاصم عن حصين قال: حدثني أبو جميلة البكاء قال: إني في الصف مع عليّ بن أبي طالب. إذ عقر بأم المؤمنين جملها؛ فرأيت محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدان بين الصفين أيهما يسبق إليها، فقطعا عارضة الرحل واحتملاها في هودجها.
ومن حديث الشعبي قال: من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة فكذّبه:
كان عليّ وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية.
أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثني خالد بن مخلد عن يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج، فقال؛ يا أم المؤمنين، أنشدك بالله، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان، فقلت لك: إن عثمان قد قتل فما تأمرينني؟ فقلت لي الزم عليا! فو الله ما غير ولا بدل، فسكتت، ثم أعاد عليها فسكتت، ثلاث مرات؛ فقال: اعقروا الجمل! فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمد بن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي عليّ فسرّ به، فأدخل في منزل عبد الله بن بديل.
وقالوا: لما كان يوم الجمل ما كان وظفر علي بن أبي طالب حتى دنا من هودج عائشة، كلمها بكلام، فأجابته: ملكت فأسجح «1» ! فجهزها عليّ بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة؛ وقال بعضهم: سبعين امرأة، حتى قدمت المدينة.
عكرمة عن ابن عباس قال: لما انقضى أمر الجمل، دعا علي بن أبي طالب بآجرّتين فعلاهما، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
يا أنصار المرأة، وأصحاب البهيمة، رغا فجئتم، وعقر فهربتم، نزلتم شرّ بلاد، [أقربها من الماء] وأبعدها من السماء، بها مغيض «2» كل ماء، ولها شر أسماء، هي البصرة، والبصيرة، والمؤتفكة، وتدمر. أين ابن عباس؟ قال: فدعيت له من كل ناحية، فأقبلت إليه، فقال: إيت هذه المرأة فلترجع إلى بيتها التي أمرها الله أن تقرّ فيه. قال: فجئت فاستأذنت عليها، فلم تأذن لي، فدخلت بلا إذن، ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها، فقالت: تالله يا بن عباس ما رأيت مثلك، تدخل بيتنا بلا إذننا، وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا! فقلت: والله ما هو بيتك، وما بيتك إلا الذي أمرك الله أن تقرّي فيه فلم تفعلي! إنّ أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت: رحم الله أمير المؤمنين ذاك: عمر بن الخطاب! قلت: نعم، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قالت: أبيت أبيت! قلت: ما كان إباؤك إلا فواق»
ناقة بكيئة «2» ، ثم صرت ما تحلين ولا تمرّين، ولا تأمرين ولا تنهين! قال: فبكت حتى علا نشيجها، ثم قالت: نعم أرجع، فإنّ أبغض البلدان إليّ بلد أنتم فيه! فقلت: أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أماّ، وجعلنا أباك لهم صدّيقا. قالت: أتمنّ علي برسول الله يا بن عباس؟ قلت: نعم نمنّ عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به علينا! قال ابن عباس: فأتيت عليا فأخبرته، فقبّل بين عيني وقال: بأبي ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم.
ومن حديث ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن عطاء بن السائب: أنّ قاضيا من قضاة أهل الشام أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، رأيت رؤيا أفظعتني. قال:
وما رأيت؟ قال: رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين. قال: فمع أيهما كنت؟ قال: مع القمر على الشمس. قال عمر بن الخطاب وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً
«3» . فانطلق، فو الله لا تعمل لي عملا أبدا. قال: فبلغني أنه قتل مع معاوية بصفّين.
أبو بكر بن أبي شيبة قال: أقبل سليمان بن صرد، وكانت له صحبة مع النبي صلّى الله عليه وسلم، إلى عليّ بن أبي طالب بعد وقعة الجمل؛ فقال له: تنأنأت «4» وتزحزت وتربصت، فكيف رأيت الله صنع؟ قال: يا أمير المؤمنين، إنّ الشّوط بطين «5» ، وقد بقي من الأمور ما تعرف به عدوّك من صديقك.
وكتب عليّ بن أبي طالب إلى الأشعث بن قيس بعد الجمل، وكان واليا لعثمان على أذربيجان:
سلام عليك؛ أما بعد، فلولا هنات كنّ منك لكنت أنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس، ولعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله، وقد كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك، وقد كان طلحة والزبير أول من بايعني ثم نكثا بيعتي من غير حدث ولا سبب، وأخرجا أمّ المؤمنين فساروا إلى البصرة وسرت إليهم فيمن بايعني من المهاجرين والأنصار، فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه فأبوا، فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقيا، وأمرت أن لا يذفّ «1» على جريح، ولا يتّبع منهزم، ولا يسلب قتيل، ومن ألقى سلاحه وأغلق بابه فهو آمن، واعلم أنّ عملك ليس لك بطعمة، إنما هو أمانة في عنقك، وهو مال من مال الله وأنت من خزّاني عليه حتى تؤدّيه إليّ إن شاء الله، ولا قوّة إلا بالله.
فلما بلغ الأشعث كتاب عليّ قام فقال:
أيها الناس؛ إنّ عثمان بن عفان ولأني أذربيجان، فهلك وقد بقيت في يدي؛ وقد بايع الناس عليّا، وطاعتنا له واجبة، وقد كان من أمره وأمر عدوه ما كان، وهو المأمون على ما غاب عن ذلك المجلس، ثم جلس.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید