المنشورات

مقتل عمار بن ياسر

العتبي قال: لما التقى الناس بصفين، نظر معاوية إلى هاشم بن عتبة، الذي يقال له المرقال لقول النبي صلّى الله عليه وسلم أرقل ليمون، وكان أعور، والراية بيده وهو يقول:
أعور يبغي نفسه محلّا ... قد عالج الحياة حتى ملّا
لا بدّ أن يفلّ أو يفلّا
فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو، هذا المرقال؛ والله لئن زحف بالراية زحفا إنه ليوم أهل الشام الأطول، ولكني أرى ابن السوداء إلى جنبه- يعني عمّارا- وفيه عجلة في الحرب، وأرجو أن تقدمه إلى الهلكة.
وجعل عمار يقول: أبا عتبة تقدّم، فيقول: يا أبا اليقظان، أنا أعلم بالحرب منك، دعني أزحف بالراية زحفا. فلما أضجره وتقدم، أرسل معاوية خيلا فاختطفوا عمارا، فكان يسمى أهل الشام قتل عمار فتح الفتوح.
أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن العوّام بن حوشب عن أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد منهما يقول: أنا قتلته! فقال لهما عبد الله بن عمرو بن العاص:
ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له: «تقتلك الفئة الباغية» !.
أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أم سلمة قالت:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «تقتل عمّارا الفئة الباغية» .
أبو بكر قال: حدثنا علي بن حفص عن أبي معشر عن محمد بن عمارة قال: ما زال جدّي خزيمة بن ثابت كافّا سلاحه يوم صفين، حتى قتل عمار، فلما قتل سلّ سيفه وقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «تقتل عمّارا الفئة الباغية» . فما زال يقاتل حتى قتل.
أبو بكر عن غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخا آدم «1» طوالا، أخذ الحربة بيده ويده ترعد، وهو يقول:
والذي نفسي بيده، لقد قاتلت بهذه الحربة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاث مرات، وهذه الرابعة؛ والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات «2» هجر، لعرفت أنّا على حق وأنهم على باطل. ثم جعل يقول: صبرا عباد الله، الجنة تحت ظلال السيوف.
أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن حبيب عن أبي البختريّ قال: لما كان يوم صفين واشتدّت الحرب، دعا عمار بشربة لبن وشربها، وقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن.
أبو ذرّ عن محمد بن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن جدته أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم قالت: لما بني رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه؛ ثم قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فوضع رداءه؛ فلما رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا أرديتهم وأكسيتهم يعملون ويرتجزون ويقولون:
لئن قعدنا والنّبيّ يعمل ... ذاك إذا لعمل مضلّل
قالت: وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا، فكان يحمل اللبنة ويجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه، فإذا أصابه شيء من التراب نفضه؛ فنظر إليه عليّ رضي الله عنه فأنشده:
لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها راكعا وساجدا «1»
وقائما طورا وطورا قاعدا ... ومن يرى عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني؛ فسمعه عثمان فقال: يا بن سمية، ما أعرفني بمن تعرّض. ومعه جريدة، فقال: لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك! فسمعه النبي صلّى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل حائط، فقال: عمّار جلدة ما بين عينيّ وأنفي، فمن بلغ ذلك منه؟ وأشار بيده فوضعها بين عينيه، فكف الناس عن ذلك، وقالوا لعمار: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد غضب فيك، ونخاف أن ينزل فينا قرآن. فقال أنا أرضيه كما غضب. فأقبل عليه فقال يا رسول الله، مالي ولأصحابك؟ قال: ومالك ولهم؟ قال: يريدون قتلي،. يحملون لبنة [لبنة] ويحملون عليّ لبنتين. فأخذ به وطاف به في المسجد وجعل يمسح وجهه من التراب ويقول: يا ابن سمية، لا يقتلك أصحابي؛ ولكن تقتلك الفئة الباغية.
فلما قتل بصفين وروى هذا الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال معاوية:
هم قتلوه؛ لأنهم أخرجوه إلى القتل! فلما بلغ ذلك عليا قال: ونحن قتلنا أيضا حمزة، لأنّا أخرجناه.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید