المنشورات

خبر المختار بن أبي عبيد

ثم أرسل عبد الله بن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة أميرا على الكوفة؛ ثم عزله وأرسل المختار بن أبي عبيد؛ وأرسل عبد الملك عبيد الله بن زياد إلى الكوفة؛ فبلغ المختار إقبال عبيد الله بن زياد، فوجه إليهم إبراهيم بن الاشتر في جيش، فالتقوا بالجازر، وقتل عبيد الله بن زياد، وحصين بن نمير، وذو الكلاع، وعامة من كان معهم، وبعث برءوسهم إلى عبد الله بن الزبير.
أبو بكر بن أبي شيبة قال حدّثنا شريك بن عبد الله عن أبي الجويرية الحرمي قال:
كنت فيمن سار إلى أهل الشام يوم الجازر مع إبراهيم بن الأشتر فلقيناهم بالزاب، فهبت الريح لنا عليهم فأدبروا، فقتلناهم عشيتنا وليلتنا حتى أصبحوا؛ فقال إبراهيم إني قتلت البارحة رجلا فوجدت عليه ريح طيب، فالتمسوه، فما أراه إلا ابن مرجانة. فانطلقنا، فإذا هو والله معكوس في بطن الوادي.
ولما التقى عبيد الله بن زياد وإبراهيم بن الأشتر بالزاب، قال: من هذا الذي يقاتلني؟ قيل له: إبراهيم بن الأشتر. قال: لقد تركته أمس صبيا يلعب بالحمام! قال: ولما قتل ابن زياد بعث المختار برأسه إلى علي بن الحسين بالمدينة، قال الرسول: فقدمت به عليه انتصاف النهار وهو يتغدّى، قال: فلما رآه قال: سبحان الله! ما اغتر بالدنيا إلا من ليس لله في عنقه نعمة؛ لقد أدخل رأس أبي عبد الله على ابن زياد وهو يتغدى، وقال يزيد بن مفرّغ:
إنّ الذي عاش ختّارا بذمّته ... ومات عبدا: قتيل الله بالزّاب «1»
ثم إن المختار كتب كتابا إلى ابن الزبير، وقال لرسوله: إذا جئت مكة فدفعت كتابي إلى ابن الزبير، فأت المهدي- يعني محمد بن الحنفية- فاقرأ عليه السلام، وقل له: يقول لك أبو إسحق: إني أحبك وأحب أهل بيتك! قال: فأتاه، فقال له ذلك، فقال: كذبت وكذب أبو إسحق، وكيف يحبني ويحب أهل بيتي، وهو يجلس عمر ابن سعد على وسائده وقد قتل الحسين؟ فلما قدم عليه رسوله وأخبره، قال المختار لأبي عمرو صاحب حرسه: استأجر لي نوائح يبكين الحسين على باب عمر بن سعد.
ففعل، فلما بكين قال عمر لابنه حفص: يا بني، ائت الأمير فقل له: ما بال النوائح يبكين الحسين على بابي؟ فأتاه فقال له ذلك، فقال: إنه أهل أن يبكى عليه! فقال:
أصلحك الله، انهنّ عن ذلك! قال: نعم. ثم دعا أبا عمرو صاحب حرسه، فقال له:
اذهب إلى عمر بن سعد فأتني برأسه! فأتاه فقال له: قم إليّ أبا حفص. فقام إليه وهو ملتحف بملحفة، فجلله بالسيف فقتله، وجاء برأسه إلى المختار ثم قال: ائتوني بابن عمر. فلما حضره قال: أتعرف هذا؟ قال: نعم، رحمه الله! قال: أتحب أن نلحقك به؟ قال: لا خير في العيش بعده! فأمر به فضرب عنقه.
ثم إن المختار لما قتل ابن مرجانة وعمر بن سعد، جعل يتبع قتلة الحسين بن علي ومن خذله فقتلهم أجمعين، وأمر الحسينية وهم الشيعة أن يطوفوا في أزقة المدينة بالليل ويقولوا: يا ثارات الحسين! فلما أفناهم ودانت له العراق- ولم يكن صادق النية ولا صحيح المذهب، وإنما أراد أن يستأصل الناس- فلما أدرك بغيته أظهر للناس قبح نيته، فادّعى أن جبريل ينزل عليه ويأتيه بالوحي من الله؛ وكتب إلى أهل البصرة:
بلغني أنكم تكذبونني وتكذبون رسلي، وقد كذبت الأنبياء من قبلي ولست بخير من كثير منهم! فلما انتشر ذلك عنه، كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير وهو بالبصرة فخرج إليه، وبرز إليه المختار، فأسلمه إبراهيم بن الأشتر ووجوه أهل الكوفة، فقتله مصعب وقتل أصحابه.
أبو بكر بن أبي شيبة قال: قيل لعبد الله بن عمر: إن المختار ليزعم أنه يوحى إليه! قال: صدق، الشياطين يوحون إلى أوليائهم!.
وقتل مصعب من أصحاب المختار ثلاثة آلاف، ثم حج في سنة إحدى وسبعين فقدم على أخيه عبد الله بن الزبير ومعه وجوه أهل العراق، فقال: يا أمير المؤمنين قد جئتك بوجوه أهل العراق، ولم أدع لهم نظيرا؛ فأعطهم من المال. قال: جئتني بعبيد أهل العراق لأعطيهم من مال الله! وددت أن لي بكل عشرة منهم رجلا من أهل الشام صرف الدينار بالدرهم! فلما انصرف مصعب ومعه الوفد من أهل العراق، وقد حرمهم عبد الله بن الزبير ما عنده، فسدت قلوبهم؛ فراسلوا عبد الملك بن مروان حتى خرج إلى مصعب فقتله.
علي بن عبد العزيز عن حجّاج عن أبي معشر، قال: لما بعث مصعب برأس المختار إلى عبد الله بن الزبير فوضع بين يديه، قال: ما من شيء حدّثنيه كعب الأحبار إلا قد رأيته، غير هذا؛ فإنه قال لي: يقتلك شابّ من ثقيف. فأراني قد قتلته! وقال محمد بن سيرين لما بلغه هذا الحديث: لم يعلم ابن الزبير أن أبا محمد قد خبيء له.
ولما قتل مصعب المختار بن أبي عبيد ودانت له العراق كلها، والكوفة والبصرة، قال فيه عبد الله بن قيس برقيات:
كيف نومي على الفراش ولمّا ... تشمل الشام غارة شعواء «1»
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ... عن خدام العقيلة العذراء «2»
إنما مصعب شهاب من الله ... تجلّت عن وجهه الظّلماء
وتزوّج مصعب لما ملك العراق، عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين؛ ولم يكن لهما نظير في زمانهما.
وقتل مصعب امرأة المختار، وهي ابنة النعمان بن بشير الأنصاري، فقال فيها عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
إنّ من أعظم المصائب عندي ... قتل حوراء غادة عيطبول «3»
قتلت باطلا على غير ذنب ... إنّ لله درّها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جرّ الذّيول












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید