المنشورات

وفاة سليمان بن عبد الملك

قال رجاء بن حيوة: قال لي سليمان: إلى من ترى أن أعهد؟ فقلت: إلى عمر بن عبد العزيز! قال: كيف نصنع بوصية أمير المؤمنين بإبني عاتكة من كان منهما حيا؟
قلت: تجعل الأمر بعده ليزيد. قال: صدقت. قال: فكتب عهده لعمر ثم ليزيد بعده.
ولما ثقل سليمان قال: ائتوني بقمص بني أنظر إليها! فأتى بها فنشرها فرآها قصارا، فقال:
إن بنيّ صبية صغار ... أفلح من كان له كبار
فقال له عمر أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى
«1» .
وكان سبب موت سليمان بن عبد الملك، أن نصرانيا أتاه وهو بدابق بزنبيل «1» مملوء بيضا وآخر مملوء تينا، فقال: قشّروا. فقشروا، فجعل يأكل بيضة وتينة، حتى أتى على الزنبيلين، ثم أتوه بقعصة مملوءة مخا بسكر، فأكله، فأتخم فمرض فمات.
ولما حج سليمان تأذى بحرّ مكة، فقال له عمر بن عبد العزيز: لو أتيت الطائف! فأتاها، فلما كان بسحق لقيه ابن أبي الزهير، فقال: يا أمير المؤمنين، اجعل منزلك عليّ. قال: كلّ منزلي. فرمى بنفسه على الرمل، فقيل له: يساق إليك الوطاء.
فقال: الرمل أحبّ إليّ. وأعجبه برده، فالزق بالرمل بطنه، قال: فأتى إليه بخمس رمانات فأكلها، فقال: أعندكم غير هذه؟ فجعلوا يأتونه بخمس بعد خمس، حتى أكل سبعين رمانة؛ ثم أتوه بجدي وست دجاجات، فأكلهن؛ وأتوه بزبيب من زبيب الطائف فنثر بين يديه، فأكل عامته «2» ؛ ونعس، فلما انتبه أتوه بالغداء، فأكل كما أكل الناس، فأقام يومه: ومن غد قال لعمر: أرانا قد أضررنا بالقوم. وقال لابن أبي الزهير: اتبعني إلى مكة. فلم يفعل، فقالوا له: لو أتيته! فقال: أقول ماذا؟ أعطني ثمن قراي «3» الذي قربته!؟
العتبي عن أبيه عن الشمردل وكيل آل عمرو بن العاص، قال. لما قدم سليمان بن عبد الملك الطائف، دخل هو وعمر بن عبد العزيز وأيوب ابنه بستانا لعمرو، قال:
فجال في البستان ساعة، ثم قال: ناهيك بمالكم هذا مالا! ثم ألقى صدره على غصن وقال: ويلك يا شمردل! ما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله، عندي جدي كانت تغدو عليه بقرة وتروح أخرى. قال: عجل به ويحك! فأتيته به كأنه عكّة سمن، فأكله وما دعا عمر ولا ابنه، حتى إذا بقي الفخذ قال: هلم أبا حفص. قال:
أنا صائم. فأتى عليه، ثم قال: ويلك يا شمردل! ما عندل شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله، دجاجتان هنديتان كأنهما رألا «4» النعام. فأتيته بهما، فكان يأخذ برجل الدجاجة فيلقي عظامها نقية، حتى أتى عليهما؛ ثم رفع رأسه فقال: ويلك يا شمردل! ما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى، عندي حريرة «1» كأنها قراضة ذهب. قال: عجل بها ويلك! فأتيته بعسّ يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقّمها بيده ويشرب، فلما فرغ تجشأ، فكأنما صاح في جب: ثم قال: يا غلام، أفرغت من غذائي؟ قال: نعم. قال:
وما هو؟ قال: ثمانون قدرا! قال: ائتني بها قدرا قدرا. قال: فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم، وأقلّ ما أكل لقمة؛ ثم مسح يده واستلقى على فراشه، ثم أذن للناس؛ ووضعت الخوانات «2» ، وقعد يأكل فما أنكرت شيئا من أكله.











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید