المنشورات

ولاية إبراهيم بن الوليد المخلوع

العلاء بن يزيد بن سنان قال: حدّثني أبي قال: حضرت يزيد بن الوليد حين حضرته الوفاة، فأتاه قطن فقال: أنا رسول من وراء بابك، يسألونك بحق الله لو وليت أمرهم أخاك إبراهيم بن الوليد! فغضب وضرب بيده على جبهته وقال: أنا أولّي إبراهيم؟ ثم قال لي: يا أبا العلاء، إلى من ترى أن أعهد؟ قلت أمر نهيتك عن الدخول في أوله، فلا أشير عليك في الدخول في آخره. قال: فأصابته إغماءة حتى ظننت أنه قد مات، ففعل ذلك غير مرة، ثم خرجت من عنده.
فقعد قطن وافتعل عهدا على لسان يزيد بن الوليد لإبراهيم بن الوليد، ودعا ناسا فأشهدهم عليه. قال: والله ما عهد إليه يزيد ولا إلى أحد من الناس.
وقال يزيد في مرضه لو كان سعيد بن عبد الملك قريبا مني لرأيت فيه رأيي.
وفي رواية أبي الحسن المدائني، قال: لما مرض يزيد قيل له: لو بايعت لأخيك إبراهيم ولعبد العزيز بن الحجاج بعده! فقال له قيس بن هانيء العبسي: اتق الله يا أمير المؤمنين وانظر نفسك وأرض الله في عباده، فاجعل وليّ عهدك عبد الملك بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك. فقال يزيد: لا يسألني الله عن ذلك، ولو كان سعيد بن عبد الملك مني قريبا لرأيت فيه رأيي! ... وكان يزيد يرى رأى القدرية «2» ويقول بقول غيلان، فألحت القدرية عليه وقالوا: لا يحل لك إهمال أمر الأمّة، فبايع لأخيك إبراهيم بن الوليد وليد العزيز من بعده. فلم يزالوا به حتى بايع لإبراهيم بن الوليد ولعبد العزيز من بعده.
ومات يزيد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وكانت ولايته خمسة أشهر واثنى عشر يوما.
فلما قدم مروان نبش يزيد من قبره وصلبه. وكان يقرأ في الكتب القديمة يا مبذر الكنوز، يا سجاد في الأسحار، كانت ولايتك لهم رحمة، وعليهم حجة، نبشوك فصلبوك! وبويع إبراهيم بن الوليد، وأمّه بربرية، فلم يتم له الأمر، وكان يدخل عليه قوم فيسلمون بالخلافة، وقوم يسلمون بالإمرة، وقوم لا يسلمون بخلافة ولا بإمرة، وجماعة تبايع، وجماعة يأبون أن يبايعوا، فمكث أربعة أشهر حتى قدم مروان بن محمد فخلع إبراهيم وقتل عبد العزيز بن الحجاج، وولي الأمر بنفسه.
وفي رواية خليفة بن خياط قال: لما أتى مروان بن محمد وفاة يزيد بن الوليد، دعا قيسا وربيعة، ففرض لستة وعشرين ألفا من قيس، وسبعة آلاف من ربيعة، وأعطاهم أعطياتهم، وولى على قيس إسحاق بن مسلم العقيلي، وعلى ربيعة المساور بن عقبة؛ ثم خرج يريد الشام، واستخلف على الجزيرة أخاه عبد العزيز بن محمد بن مروان، فتلقاه وجوه قيس: الوثيق بن الهذيل بن زفر، ويزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، وأبو الورد بن الهذيل بن زفر، وعاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، في خمسة آلاف من قيس، فساروا معه حتى قدم حلب، وبها بشر ومسرور ابنا الوليد بن عبد الملك، أرسلهما إبراهيم بن الوليد حين بلغه مسير مروان بن محمد، فالتقوا، فانهزم بشر ومسرور من ابن محمد من غير قتال، فأخذهما مروان فحبسهما عنده، ثم سار مروان حتى أتى حمص، فدعاهم للمسير معه والبيعة وولّى العهد الحكم وعثمان ابنى الوليد. ابن يزيد، وهما محبوسان عند إبراهيم بن الوليد بدمشق؛ فبايعوه، وخرجوا معه حتى أتى عسكر سليمان بن هشام بن عبد الملك [فانهزم جند سليمان وفّر إلى دمشق] بعد قتال شديد؛ وبلغ عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ما لقي سليمان، وهو معسكر في ناحية عين الجرّ «1» ؛ فأقبل إلى دمشق، وخرج إبراهيم بن الوليد من دمشق ونزل بباب الجابية، وتهيأ للقتال ومعه الأموال على العجل، ودعا الناس فخذلوه؛ وأقبل عبد العزيز بن الحجاج وسليمان بن الوليد، فدخلا مدينة دمشق يريدان قتل الحكم وعثمان بن الوليد وهما في السجن؛ وجاء يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فدخل السجن فقتل يوسف بن عمر، والحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد، وهما الحملان؛ وأتاهم رسول إبراهيم؛ فتوجه عبد العزيز بن الحجاج إلى داره ليخرج عياله، فثار به أهل دمشق فقتلوه، واحتزوا رأسه فأتوا به أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان محبوسا مع يوسف بن عمر وأصحابه، فأخرجوه ووضعوه على المنبر في قيوده، ورأس عبد العزيز بين يديه، وحلّوا قيوده وهو على المنبر، فخطبهم وبايع لمروان، وشتم يزيد وإبراهيم ابني الوليد، وأمر بجثة عبد العزيز فصلبت على باب الجابية منكوسا، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد؛ واستأمن أبو محمد لأهل دمشق، فأمّنهم مروان ورضي عنهم؛ وبلغ [ذلك] إبراهيم فخرج هاربا حتى أتى مروان، فبايعه وخلع نفسه، فقبل منه وأمنه، فسار إبراهيم فنزل الرّقة على شاطىء الفرات؛ ثم أتاه كتاب سليمان بن هشام يستأمنه فأمّنه، فأتاه فبايعه. واستقامت لمروان بن محمد.
وكانت ولاية إبراهيم بن الوليد المخلوع أشهرا. قال أبو الحسن: شهرين ونصفا.














مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید