المنشورات

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام

أوّل خلفاء الأندلس من بني أمية: عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك ولي الملك يوم الجمعة لعشر خلون من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين ومائة، وهو ابن ثمان وعشرين سنة. وتوفي في عشرة من جمادي الأولى سنة اثنتين وسبعين ومائة، فكان ملكه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر، وكان يقال له صقر قريش، وذلك أنّ أبا جعفر المنصور قال لأصحابه: أخبروني عن صقر قريش من هو؟ قالوا: أمير المؤمنين الذي راض الملك، وسكّن الزلازل، وحسم الأدواء، وأباد الأعداء. قال: ما صنعتم شيئا. قالوا: فمعاوية. قال: ولا هذا. قالوا: فعبد الملك بن مروان. قال: ولا هذا. قالوا: فمن يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد الرحمن بن معاوية، الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلدا أعجميا مفردا. فمصّر الأمصار، وجند الأجناد، ودوّن الدواوين، وأقام ملكا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره، وشدّة شكيمته «1» ، إنّ معاوية نهض بمركب حمله عليه عمر وعثمان وذللا له صعبه، وعبد الملك ببيعة تقدّم له عقدها، وأمير المؤمنين بطلب عشيرته واجتماع شيعته، وعبد الرحمن منفرد بنفسه، مؤيد برأيه، مستصحب لعزمه.
وقالوا لما توطد ملك عبد الرحمن بن معاوية عمل هذه الأبيات وأخرجها إلى وزرائه فاستغربت من قوله إذ صدقها فعله، وهي:
ما حقّ من قام ذا امتعاض ... منتضي الشّفرتين نصلا
فبزّ ملكا وساد عزّا ... ومنبرا للخطاب فصلا «2»
فجاز قفرا وشقّ بحرا ... مساميا لجّة ومحلا «3»
وجنّد الجند حين أودى ... ومصّر المصر حين أجلى «4»
ثم دعا أهله جميعا ... حيث انتأوا أن هلمّ أهلا «5»
فجاء هذا طريد جوع ... شريد سيف أبيد قتلا
فحلّ أمنا ونال شبعا ... وحاز مالا وضمّ شملا
ألم يكن حقّ ذا على ذا ... أوجب من منعم ومولى؟
وكتب أمية بن يزيد عنه كتابا إلى بعض عماله يستقصره فيما فرّط فيه من عمله، فأكثر وأطال الكتاب، فلما لحظه عبد الرحمن أمر بقطعه «1» ، وكتب:
أمّا بعد، فإن يكن التقصير لك مقدّما يعدّ الاكتفاء أن يكون لك مؤخرا، وقد علمت بما تقدّمت، فاعتمد على أيهما أحببت.
وكان ثار عليه ثائر بغربيّ بلدة «2» ، فغزاه به وأسره، فبينما هو منصرف وقد حمل الثائر على بغل مكبولا، نظر إليه عبد الرحمن بن معاوية وتحته فرس له، فقنّع «3» رأسه بالقناة، وقال: يا بغل، ماذا تحمل من الشقاق والنفاق! قال الثائر: يا فرس، ماذا تحمل من العفو والرحمة! فقال له عبد الرحمن: والله لا تذوق موتا على يدي أبدا.














مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید