المنشورات

حروب قيس في الجاهلية يوم منعج : لغنيّ على عبس

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: يوم منعج يقال له يوم الرّدهة «2» ، وفيه قتل شاس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي بمنعج على الردهة، وذلك أنّ شاس ابن زهير أقبل من عند النعمان بن المنذر، وكان قد حباه بحباء جزيل، وكان فيما حباه قطيفة «3» حمراء ذات هدب، وطيلسان وطيب. فورد منعج وهو ماء لغنيّ، فأناخ راحلته الى جانب الردهة وعليها خباء لرياح بن الأسل الغنوى، وجعل يغتسل وامرأة رياح تنظر إليه وهو مثل الثور الابيض، فانتزع «4» له رياح سهما فقتله، ونحر ناقته فأكلها، وضم متاعه، وغيّب أثره. وفقد شاس بن زهير حتى وجدوا القطيفة الحمراء بسوق عكاظ، فقد سامتها امرأة رياح بن الأسل، فعلموا أنّ رياحا صاحب ثأرهم، فغزت بنو عبس غنيّا قبل أن يطلبوا قودا «5» أودية، مع الحصين بن زهير بن جذيمة، والحصين بن أسيد بن جذيمة، فلما بلغ ذلك غنيّا قالوا لرياح: انج لعلنا نصالح القوم على شيء فخرج رياح رديفا لرجل من بني كلاب، لا يريان إلا أنهما قد خالفا وجهة القوم، فمرّ صرد «6» على رؤسهما فصرصر «7» ، فقال: ما هذا؟ فما راعهما إلا خيل بني عبس، فقال الكلابي لرياح: انحدر من خلفي والتمس نفقا في الأرض، فإني شاغل القوم عنك. فانحدر رياح عن عجز الجمل، حتى أتى صعدة «8» فاحتفر تحتها مثل مكان الأرنب وولج فيه، ومضى صاحبه، فسألوه فحدّثهم، وقال: هذه غنيّ جامعة، وقد استمكنتم منهم. فصدّقوه وخلوا سبيله، فلما ولى رأوا مركب الرجل خلفه، فقالوا: من الذي كان خلفك؟ فقال: لا أكذب، رياح بن الأسل، وهو في تلك الصّعدات. فقال الحصينان لمن معهما: قد امكننا الله من ثأرنا، ولا نريد أن يشركنا فيه أحد. فوقفوا عنهما، ومضيا فجعلا يريغان رياح بن الأسل بالصّعدات، فقال لهما رياح: هذا غزالكما الذي تريغانه «1» . فابتدراه، فرمى أحدهما بسهم فأقصده «2» ، وطعنه الآخر قبل أن يرميه فأخطأه، ومرت به الفرس، واستدبره رياح بسهم فقتله، ثم نجا حتى أتى قومه، وانصرفوا خائبين موتورين «3» ، وفي ذلك يقول الكميت بن زيد الأسدي، وكان له أمّان من غنيّ:
أنا ابن غنّى والدي ... لأمين منهم في الفروع وفي الأصل
هم استودعوا زهرا بسيب بن سالم ... وهم عدلوا بين الحصينين بالنّبل
وهم قتلوا شاس الملوك وأرغموا ... أباه زهيرا بالمذلّة والثّكل «4»












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید