المنشورات

يوم النفراوات: لبني عامر على بني عبس

فيه قتل زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي، وكانت هوازن تؤدّي إليه إتاوة، وهي الخراج، فأتته يوما عجوز من بني نصر بن معاوية بسمن في نحي «5» واعتذرت إليه وشكت سنين تتابعت على الناس، فذاقه فلم يرض طعمه، فدعسها «6» بقوس في يده عطل في صدرها، فاستلقت على قفاها منكشفة، فتألّى خالد بن جعفر، وقال:
والله لأجعلن ذراعي في عنقه حتى يقتل أو أقتل! وكان زهير عدوسا مقداما لا يبالي ما أقدم عليه، فاستقل- أي انفرد من قومه- بابنيه وبني أخويه أسيد وزنباع، يرعى الغيث في عشراوات «7» له وشول «8» فأتاه الحارث بن الشّريد، وكانت تماضر بنت الشريد تحت زهير، فلما عرف الحارث مكانه أنذر بني عامر بن صعصعة، رهط خالد ابن جعفر، فركب منهم ستة فوارس، فيهم خالد بن جعفر، وصخر بن الشريد، وحندج بن البكّاء، ومعوية بن عبادة بن عقيل، فارس الهزاز، ويقال لمعاوية:
الأخيل، وهو جد ليلى الأخيلية، وثلاثة فوارس من سائر بني عامر، فقال أسيد لزهير: أعلمتني راعية غنمي أنها رأت على رأس الثنية أشباحا، ولا أحسبها إلا خيل بني عامر، فالحق بنا بقومنا. فقال زهير: «كلّ أزبّ «1» نفور» وكان أسيد أشعر القفا. فذهبت مثلا، فتحمل أسيد بمن معه، وبقي زهير وابناه: ورقاء، والحارث، وصبّحتهم الفوارس، فتمرّدت بزهير فرسه القعساء، ولحقه خالد ومعاوية الأخيل، فطعن معوية القعساء، فقلبت زهيرا، وخرّ خالد فوقه فرفع المغفر عن رأس زهير، وقال: يا آل عامر، أقبلوا جميعا! فأقبل معاوية فضرب زهيرا على مفرق رأسه ضربة بلغت الدّماغ، وأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا وعليه درعان، فلم يغن شيئا، وأجهض «2» ابنا زهير القوم عن زهير، واحتملاه وقد اثخنته الضربة، فمنعوه الماء، فقال: أميت أنا عطشا! اسقوني الماء وإن كان فيه نفسي! فسقوه فمات بعد ثلاثة ايام، فقال في ذلك ورقاء بن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد ... فأقبلت أسعى كالعجول أبادر «3»
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريدان نصل السيف والسيف نادر «4»
فشلّت يميني يوم أضرب خالدا ... يمنعه مني الحديد المظاهر
فياليت أني قبل أيام خالد ... ويوم زهير لم تلدني تماضر
لعمري لقد بشرت بي إذ ولدتني ... فماذا الذي ردّت عليك البشائر
وقال خالد بن جعفر في قتله زهيرا:
بل كيف تكفرني هوازن بعدما ... أعتقتهم فتوالدوا أحرارا
وقتلت ربّهم زهيرا بعدما ... جدع الأنوف وأكثر الأوتارا «5»
وجعلت مهر بناتهم ... عقل الملوك هجائنا ولكارا «1»












مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید