المنشورات

يوم مقتل الحارق بن ظالم بالخربة

قال أبو عبيدة: لما قتل الحارث بن ظالم خالد بن جعفر الكلابي، أتى صديقا له من كندة فالتف عليه، فطلبه الملك فخفى ذكره حتى شخص من عند الكندي، وأضمرته «5» البلاد حتى استجار بزياد أحد بني عجل بن لجيم، فقام بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو بن شيبان فقالوا لعجل: أخرجوا هذا الرجل من بين أظهركم، فإنه لا طاقة لنا بالشهباء ودوسر- وهما كتيبتان للأسود بن المنذر- ولا بمحاربة الملك فأبت ذلك عليهم عجل، فلما رأى ذلك الحارث بن ظالم كره أن تقع بينهم فتنة بسببه، فارتحل من بني عجل إلى جبلي طيء، فأجاروه، فقال في ذلك:
لعمري لقد حلّت بي اليوم ناقتي ... على ناصر من طيّىء غير خاذل
فأصبحت جارا للمجرّة فيهم ... على باذخ يعلو يد المتطاول «6»
إذا أجا لفّت عليّ شعابها ... وسلمى فأنّى أنتم من تناولي «7»
فمكث عندهم حينا، ثم إن الاسود بن المنذر لما اعجزه أمره أرسل إلى جارات كن للحارث بن ظالم، فاستاقهنّ وأموالهن، فبلغ ذلك الحارث بن ظالم، فخرج من الحين فاندس الحارث بن ظالم في الناس حتى علم مكان جاراته ومرعى إبلهنّ، فأتاهنّ فاستنقذهنّ واستاق إبلهنّ، فألحقهنّ بقومهنّ، واندس في بلاد غطفان، حتى أتى سنان بن أبي حارثة المري- وهو ابو هرم الذي كان يمدحه زهير- وكان الاسود بن المنذر قد استرضع ابنه شرحبيل عند سلمى امرأة سنان وهي من بني غنم بن دودان بن أسد، فكانت لا تأمن على ابن الملك أحدا، فاستعار الحارث بن ظالم سرج سنان وهو في ناحية الشربة «1» ، لا يعلم سنان ما يريد، وأتى بالسرج امرأة سنان وقال لها: يقول لك بعلك ابعثي ابنك مع الحارث، فإني أريد أن استأمن له الملك، وهذا سرجه آية ذلك. قال: فزيّنته سلمى ورفعته إليه فأتى به ناحية من الشربة فقتله، وقال في ذلك:
أخصي حمار بات يكدم نجمة ... أتوكل جاراتي وجارك سالم «2»
علوت بذي الحيّات مفرق رأسه ... ولا يركب المكروه إلا الأكارم «3»
فتكت به كما فتكت بخالد ... وكان سلاحي تجتويه الجماجم «4»
بدأت بذاك وانثنيت بهذه ... وثالثة تبيضّ منها المقادم
قال: وهرب الحارث من فوره ذلك، وهرب سنان بن أبي حارثة، فلما بلغ الاسود قتل ابنه شرحبيل، غزا بني ذبيان، فقتل وسبي وأخذ الأموال، وأغار على بني دودان رهط سلمى التي كان شرحبيل في حجرها، فقتلهم وسباهم فنشط لذلك، قال:
فوجد بعد ذلك نعلي شرحبيل في ناحية الشربة عند بني محارب بن خصفة، فغزاهم الملك، ثم أسرهن، ثم أحمى الصفا «5» ، وقال: إني أحذيكم نعالا فأمشاهم على ذلك الصفا، فتساقطت أقدامهم، ثم إن سيار بن عمرو بن جابر الفزاري، احتمل للاسود دية ابنه ألف بعير، وهي دية الملوك، ورهنه بها قوسه فوفاه بها، فقال في ذلك:
ونحن رهنّا القوس ثمّت فوديت ... بألف على ظهر الفزاري أقرعا «1»
بعشر مئين للملوك وفى بها ... ليحمد سيّار بن عمرو فأسرعا
فكان هذا قبل قوس حاجب، فقال في ذلك أيضا:
هل وجدتم حاملا كحاملي ... إذا رهن القوس بألف كامل
بدية ابن الملك الحلاحل ... فافتكّها من قبل عام قابل
سيّار الموفي بها ذو النائل
وهرب الحارث فلحق بمعبد بن زارة فاستجار به فأجاره، وكان من سيبه وقعة رحرحان التي تقدّم ذكرها، ثم هرب الحارث حتى لحق بمكة وقريش، لأنه يقال إن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، إنما هو مرة بن عوف بن لؤي بن غالب، فتوسل اليهم بهذه القرابة، وقال في ذلك:
إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤيّ
إلى نسب كريم غير دغل ... وحيّ من أكارم كلّ حيّ «2»
فإن يك منهم أصلي فمنهم ... قرابين الإله بنو قصيّ
فقالوا: هذه رحم كرشاء «3» إذا استغنيتم عنها لن يتركم «4» . قال: فشخص الحارث عنهم غضبان. وقال في ذلك:
ألا لستم منا ولا نحن منكم ... برئنا إليكم من لؤيّ بن غالب
غدونا على نشز الحجاز وأنتم ... بمنشعب البطحاء بين الاخاشب «5»
وتوجه الحارث بن ظالم إلى الشام، فلحق بيزيد بن عمرو الغساني فأجاره وأكرمه،وكان ليزيد ناقة محماة «1» ، في عنقها مدية وزنادة وصرّة ملح، وإنما كان يمتجن بها رعيته لينظر من يجترىء عليه، فوحمت امرأة الحارث فاشتهت شحما في وحمها، فانطلق الحارث إلى ناقة الملك فانتحرها، وأتاها بشحمها، وفقدت الناقة، فأرسل الملك إلى الحمس التغلبي وكان كاهنا، فسأله عن الناقة، فأخبره أن الحارث صاحبها، فهم الملك به، ثم تذمّم «2» من ذلك، وأوجس الحارث في نفسه شرا فأتى الخمس التغلبي فقتله. فلما فعل ذلك دعا به الملك فأمر بقتله، فقال: أيها الملك إنك قد أجرتني فلا تغدرنّ بي! فقال الملك: لا ضير، إن غدرت بك مرة فقد غدرت بي مرارا! وأمر ابن الخمس فقتله، وأخذ ابن الخمس سيف الحارث فأتى به عكاظ في الاشهر الحرم، فأراه قيس بن زهير العبسي، فضربه قيس فقتله، وقال يرثي الحارث بن ظالم:
وما قصرت من حاضن ستر بيتها ... أبرّ وأوفى منك حار بن ظالم «3»
اعزّ وأحمى عند جار وذمّة ... وأضرب في كاب من النّقع قاتم «4»










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید