المنشورات

حرب داحس والغبراء: وهي من حروب قيس

قال ابو عبيدة: حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان ابني بغيض بن ريث بن غطفان، وكان السبب الذي هاجها أن قيس بن زهير، وحمل بن بدر، تراهنا على داحس والغبراء أيهما يكون له السبق، وكان داحس فحلا لقيس بن زهير، والغبراء حجرا «5» لحمل بن بدر، وتواضعا الرهان على مائة بعير، وجعلا منتهى الغاية مائة غلوة «6» ، والإضمار «7» أربعين ليلة، ثم قادوهما إلى رأس الميدان بعد أن أضمروهما أربعين ليلة، وفي طرف الغاية شعاب كثيرة، فأكمن حمل بن بدر في تلك الشعاب فتيانا على طريق الفرسين، وأمرهم إن جاء داحس سابقا يردّوا وجهه عن الغاية.
قال: فأرسلوهما فأحضرا «1» ، فلما أحضرا خرجت الانثى من الفحل، فقال حمل بن بدر: سبقتك يا قيس! فقال قيس: رويدا يعدوان الجدد «2» إلى الوعث وترشح أعطاف الفحل. قال: فلما أوغلا في الجدد وخرجا إلى الوعث، برز داحس عن الغبراء، فقال قيس: جري المذكيات «3» غلاء «4» . فذهبت مثلا، فلما شارف داحس الغاية ودنا من الفتية، وثبوا في وجه داحس فردّوه عن الغاية، ففي ذلك يقول قيس ابن زهير:
وما لا قيت من حمل بن بدر ... وإخوته على ذات الإصاد «5»
هم فخروا عليّ بغير فخر ... وردوا دون غايته جوادي
وثارت الحرب بين عبس وذبيان ابني بغيض، فبقيت أربعين سنة لم تنتج لهم ناقة ولا فرس، لاشتغالهم بالحرب، فبعث حذيفة بن بدر ابنه مالكا إلى قيس بن زهير يطلب منه حق السبق، فقال قيس: كلا لا مطلتك به. ثم أخذ الرمح فطعنه به فدق صلبه، ورجعت فرسه عارية، فاجتمع الناس فاحتملوا دية مالك مائة عشراء- وزعموا أن الربيع بن زياد العبسي حملها وحده- فقبضها حذيفة، وسكن الناس.
ثم ان مالك بن زهير نزل اللّقاطة «6» من أرض الشربة، فأخبر حذيفة بمكانه، فعدا عليه فقتله. ففي ذلك يقول عنترة الفوارس:
فلله عينا من رأى مثل مالك ... عقيرة قوم أن جرى فرسان «7»
فليتهما لم يجريا قيد غلوة ... وليتهما لم يرسلا لرهان
فقالت بنو عبس: مالك بن زهير بمالك بن حذيفة، وردوا علينا مالنا. فأبى حذيفة أن يرد شيئا، وكان الربيع بن زياد مجاورا لبني فزارة، ولم يكن في العرب مثله ومثل إخوته، وكان يقال لهم: الكملة، وكان مشاحنا «1» لقيس بن زهير من سبب درع لقيس غلبه عليها الربيع بين زياد، فاطرد قيس لبونا لبني زياد فأتى بها مكة، فعاوض بها عبد الله بن جدعان بسلاح، وفي ذلك يقول قيس بن زهير:
ألم يبلغك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
ومحبسها على القرشيّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد
وكنت إذا بليت بخصم سوء ... دلفت له بداهية نآد «2»
ولما قتل مالك بن زهير، قامت بنو غزارة يسألون ويقولون: ما فعل حماركم؟
قالوا: صدناه! فقال الربيع: ما هذا الوحي؟ قالوا: قتلنا مالك بن زهير. قال: بئس ما فعلتم بقومكم، قبلتم الدية ثم رضيتم بها وغدرتم! قالوا: لولا أنك جارنا لقتلناك! وكانت خفرة «3» الجار ثلاثا: فقالوا له: بعد ثلاث ليال اخرج عنا. فخرج واتبعوه، فلم يلحقوه حتى لحق بقومه، وأتاه قيس بن زهير فعاقده، وفي ذلك يقول الربيع:
فإن تك حربكم أمست عوانا ... فإني لم أكن ممن جناها «4»
ولكن ولد سودة أرّثوها ... وحشوا نارها لمن اصطلاها «5»
فإني غير خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت مداها
ثم نهضت بنو عبس وحلفاؤهم بنو عبد الله بن غطفان إلى بني فزارة وذبيان، ورئيسهم الربيع بن زياد، ورئيس بن فزارة حذيفة بن بدر.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید