المنشورات

يوم الهباءة: لعبس على ذبيان

ثم اجتمعوا فالتقوا في يوم قائظ إلى جنب جفر الهباءة «1» ، واقتتلوا من بكرة حتى انتصف النهار، وحجز الحرّ بينهم، وكان حذيفة بن بدر يحرق فخذيه الركض، فقال قيس بن زهير: يا بني عبس، إن حذيفة غدا إذا احتدمت الوديقة «2» مستنقع في جفر الهباءة فعليكم بها. فخرجوا حتى وقعوا على أثر صارف، فرس حذيفة، والحنفاء، فرس حمل بن بدر، فقال قيس بن زهير: هذا اثر الحنفاء وصارف، فقفوا أثرهما حتى توافوا مع الظهيرة على الهباءة. فبصر بهم حمل بن بدر، فقال لهم: من أبغض الناس إليكم أن يقف على رؤسكم؟ قالوا: قيس بن زهير، والربيع بن زياد، فقال:
هذا قيس بن زهير قد أتاكم فلم ينقض كلامه حتى وقف قيس وأصحابه على جعفر الهباءة، وقيس يقول: لبيكم لبيكم! يعني إجابة الصّبية الذين كانوا ينادونهم إذ يقتلون! وفي حذيفة وحمل ابنا بدر ومالك بن بدر، وورقاء بن خلال من بني ثعلبة ابن سعد، وحنس بن وهب، فوقف عليهم شدّدا بن معاوية العبسي، وهو فارس جروة، وجروة فرسه، ولها يقول:
ومن يك سائلا عني فإني ... وجروة كالشّجا تحت الوريد «3»
أقوّتها بقوتي إن شتونا ... وألحفها ردائي في الجليد
فحال بينهم وبين خيليهم، ثم توافت فرسان بني عبس، فقال حمل: ناشدتك الله والرحم يا قيس! فقال: لبيكم لبيكم! فعرف حذيفة أنه لن يدعهم، فانتهر حملا وقال: إياك والمأثور من الكلام! فذهبت مثلا، وقال لقيس: لئن قتلتني لا تصلح غطفان بعدها! فقال قيس: أبعدها الله ولا أصلحها! وجاءه قراوش بمعبلة «4» فقصم صلبه، وابتدره الحارث بن زهير وعمرو بن الأسلع، فضرباه بسيفهما حتى ذفّفا «5»
عليه، وقتل الربيع بن زياد حمل بدر، فقال قيس بن زهير يرثيه:
تعلّم أنّ خير الناس ميت ... على جفر الهباءة ما يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النّجوم
ولكن الفتّى حمل بن بدر ... بغى والبغي مرتعه وخيم «1»
أظنّ الحلم دلّ عليّ قومي ... وقد يستضعف الرجل الحليم
ومارست الرجال ومارسوني ... فمعوج عليّ ومستقيم
ومثّلوا بحذيفة بن بدر كما مثّل هو بالغلمة، فقطعوا مذاكيره وجعلوها في فيه، وجعلوا لسانه في استه، وفيه يقول قائلهم:
فإن قتيلا بالهباءة في استه ... صحيفته إن عاد للظلم ظالم
متى تقرءوها تهدكم عن ضلالكم ... وتعرف إذا ما فضّ عنها الخواتم
وقال في ذلك عقيل بن علّقة المزي:
ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلّا على جفر الهباءة أوقدا
فإنّ على جفر الهباءة هامة ... تنادي بني بدر وعارا مخلّدا «2»
وإنّ أبا ورد حذيفة مثفر ... بأير على جفر الهباءة أسودا «3»
وقال الربيع بن قعنب:
خلق المخازي غير أنّ بذي حسى ... لبني فزارة خزية لا تخلق «4»
تبيان ذلك أنّ في است أبيهم ... شنعاء من صحف المخازي تبرق
وقال عمر بن الاسلع:
إن السماء وان الارض شاهدة ... والله يشهد والانسان والبلد
أنّي جزيت بني بدر بسعيهم ... على الهباءة قتلا ما له قود «1»
لمّا التقينا على أرجاء جمّتها ... والمشرفيّة في أيماننا تقد «2»
علوته بحسام ثم قلت له ... خذها إليك فأنت السيد الصمد «3»
فلما اصيب أهل الهباءة واستعظمت غطفان قتل حذيفة، تجمعوا، وعرفت بنو عبس أن ليس لهم مقام بأرض غطفان، فخرجوا إلى اليمامة فنزلوا بأخوالهم بني حنيفة، ثم رحلوا عنهم فنزلوا ببني سعد بن زيد بن مناة.










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید