المنشورات

يوم حوزة الأول: لسليم على غطفان

قال أبو عبيدة: كان بين معاوية بن عمرو بن الشريد وبين هاشم بن حرملة أحد بني مرة بن غطفان، كلام بعكاظ، فقال معاوية: لوددت والله أني قد سمعت بظعائن «3» يندبنك! فقال هاشم: والله لوددت أني قد ترّبت الرطبة- وهي جمة «4» معاوية، وكانت الدهر تنظف ماء ودهنا وإن لم تدهن- فلما كان بعد [حين] تهيأ معاوية ليغزو هاشما، فنهاه أخوه صخر فقال: كأني بك إن غزوتهم علق بجمتك حسك العرقط «5» . فقال: فأبى معاوية وغزاهم يوم حوزة فرآه هاشم بن حرملة قبل أن يراه معاوية، وكان هاشم ناقها من مرض أصابه، فقال لأخيه دريد بن حرملة:
إن هذا إن رآني لم آمن أن يشدّ عليّ. وأنا حديث عهد بشكيّة «6» ، فاستطرد له دوني حتى تجعله بيني وبينك. ففعل، فحمل عليه معاوية وأردفه هاشم فاختلفا طعنتين، فأردى معاوية هاشما عن فرسه الشماء، وأنفذ هاشم سنانه من عانة معاوية. قال: وكرّ عليه دريد فظنه قد أردى هاشما، فضرب معاوية بالسيف فقتله، وشد خفاف بن عمير على مالك بن حارث الفزاري قال: وعادت الشماء فرس هاشم حتى دخلت في جيش بني سليم فأخذوها وظنوها فرس الفزاري الذي قتله خفاف، ورجع الجيش حتى دنوا من صخر أخي معاوية، فقالوا: أنعم صباحا أبا حسان! قال: حييّتم بذلك، ما صنع معاوية؟ قالوا: قتل! قال: فما هذه الفرس؟ قالوا: قتلنا صاحبها! قال: إذا قد أدركتم ثأركم، هذه فرس هاشم بن حرملة.
قال: فلما دخل رجب، ركب صخر بن عمرو الشماء صبيحة يوم حرام، فأتى بني مرة، فلما رأوه قال لهم هاشم: هذا صخر فحيّوه وقولوا له خيرا. وهاشم مريض من الطعنة التي طعنه معاوية، فقال: من قتل أخي؟ فسكتوا، فقال: لمن هذه الفرس التي تحتي؟ فسكتوا، فقال هاشم: هلمّ أبا حسّان إلى من يخبرك! قال: من قتل أخي؟
فقال هاشم: إذا أصبتني أو دريدا فقد أصبت ثأرك! قال فهل كفنتموه؟ قال: نعم، في بردين: أحدهما بخمس وعشرين بكرة «1» . قال: فأروني قبره. فأروه إياه، فلما رأى القبر جزع عنده، ثم قال: كأنكم قد أنكرتم ما رأيتم من جزعي، فوالله ما بتّ منذ عقلت إلا واترا أو موتورا، أو طالبا أو مطلوبا، حتى قتل معاوية، فما ذقت طعم نوم بعده!











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید