المنشورات

أيام بكر على تميم يوم الوقيط

قال فراس بن خندف: تجمعت اللهازم «4» لتغير على تميم وهم غازون، فرأى ذلك ناشب الأعور بن بشامة العنبري، وهو أسير في بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس ابن ثعلبة، فقال لهم: أعطوني رسولا أرسله إلى بني العنبر، أوصيهم بصاحبكم خيرا ليولوه مثل الذي تولّوني من البرّ به والإحسان إليه. وكان حنظلة بن الطفيل المرثدي أسيرا في بني العنبر، فقالوا له: على أن توصيه ونحن حضور. قال: نعم. فأتوه بغلام لهم، فقال: لقد أتيتموني أحمق. وما أراه مبلغا عني! قال الغلام: لا والله ما أنا بأحمق، وقل ما شئت فإني مبلغه. فملأ الأعور كفه من الرمل، فقال: كم هذا الذي في كفي من الرمل؟ قال الغلام: شيء لا يحصى كثرة. ثم أومأ إلى الشمس، وقال: ما تلك؟ قال: هي الشمس! قال: فاذهب إلى قومي فأبلغهم عني التحية، وقل لهم يحسنوا إلي أسيرهم ويكرموه، فإني عند قوم محسنين إليّ مكرمين لي، وقل لهم يقروا جملي الأحمر، ويركبوا ناقتي العيساء «5» ، بآية ما أكلت معهم حيسا «6» ، ويرعوا حاجتي في أبيني مالك، وأخبرهم أن العوسج «1» قد أورق، وأن النساء قد تشكت «2» ، وليعصوا همام بن بشامة، فإنه مشئوم محدود «3» ، ويطيعوا هذيل بن الأخنس، فإنه حازم ميمون.
فأتاهم الرسول فأبلغهم، فقال بنو عمرو بن تميم: ما نعرف هذا الكلام، ولقد جنّ الأعور بعدنا، فوالله ما نعرف له ناقة عيساء، ولا جملا أحمر! فشخص الرسول، ثم ناداهم هذيل: يا بني العنبر، قد بين لكم صاحبكم، أما الرمل الذي قبض عليه، فإنه يخبركم أنه أتاكم عدد لا يحصى وأما الشمس التي أومأ إليها، فإنه يقول إن ذلك أوضح من الشمس وأما جمله الأحمر، فإنه هو الصمّان «4» ، يأمركم أن تعروه «5» ، وأما ناقته العيساء، فهي الدهناء «6» ، يأمركم أن تنذروا بني مالك بن مالك ابن زيد مناة ما حذّركم، وأن تمسكوا الحلف بينكم وبينهم، وأما العوسج الذي أورق، فيخبركم أن القوم قد لبسوا السلاح، وأما تشكّي النساء، فيخبركم بأنهنّ قد عملن شكاء «7» يغزون به. قال: وقوله «بآية ما أكلت معكم حيسا» يريد أخلاطا من الناس قد غزوكم.
قال: فتحرزت عمرو فركبت الدهناء، وأنذروا بني مالك، فقالوا: لسنا ندري ما يقول بنو عمرو، ولسنا متحولين لما قال صاحبكم. قال: فصبّحت اللهازم بني حنظلة، فوجدوا عمرا قد خلت، وإنما أرادوهم على الوقيط، وعلى الجيش أبجر بن جابر العجلي، وشهدها ناس من تيم اللات، وشهدها الغزر بن الأسود بن شريد من بني سنان، فاقتتلوا، فأسر ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وتنازع في أسره بشر بن السوراء من تيم اللات، والغزر بن الأسود فجزا ناصيته «1» وخلّا سربه «2» من تحت الليل، وأسر عمرو بن قيس من بني ربيعة بن عجل، وأسر عثجل بن شيبان بن علقمة من بني زرارة، ومنّ عليه، وأسرت غمامة بنت طوق بن عبيد بن زرارة، واشترك في أسرها الحطيم بن خلال، وظربان بن زياد، وقيس بن خالد، وردّوها إلى أهلها، وعيّر جرير بن الخطفي بني دارم بأسر ضرار وعثجلي وبني غمامة، فقال:
أغمام لو شهد الوقيط فوارسي ... ما فيه يقتل عنجل وضرار
فأسر حنظلة المأمون بن شيبان بن علقمة، أسره طيسلة بن زياد أحد بني ربيعة، وأسر جويرية بن بدر من بني عبد الله بن دارم، فلم يزل في الوثاق حتى قال أبياتا يمدح فيها بني عجل، وأنشأ يتغنى بها رافعا عقيرته «3» :
وقائلة ما غاله أن يزورها ... وقد كنت عن تلك الزّيارة في شغل
وقد أدركتني والحوادث جمة ... مخالب قوم لا ضعاف لا عزل
سراع إلى الداعي، بطاء عن الخنا ... رزان لدى الناديّ من غير ما جهل «4»
لعلهم أن يمطروني بنعمة ... كما طاب ماء المزن في البلد المحل «5»
فقد ينعش الله الفتى بعد عسرة ... وقد يتبدي الحسنى سراة بني عجل
فلما سمعوه أطلقوه، وأسر نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة، وعمرو ابن ناشب، وأسر سنان بن عمرو أخو بني سلامة بن كندة من بني دارم، وأسر حاضر بن ضمرة، وأسر الهيثم بن صعصعة، وهرب عوف بن القعقاع عن إخوته، وقتل حكيم النهشلي، وذلك أنه لم يزل يقاتل وهو يرتجز ويقول:
كلّ امرىء مصبّح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله
وفيه يقول عنترة الفوارس:
وغادرنا حكيما في مجال ... صريعا قد سلبناه الإزارا










مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید