المنشورات

يوم العظالى : لبني يربوع على بكر

قال أبو عبيدة: وهو يوم أعشاش «5» ، ويوم الأفاقة «6» ، ويوم الإياد، ويوم مليحة «7» .
قال وكانت بكر بن وائل تحت يد كسرى وفارس، وكانوا يجيرونهم ويجهزونهم، فأقبلوا من عند عامل عين التمر «8» في ثلاثمائة فارس متساندين، يتوقعون انحدار بني يربوع في الحزن- وكانوا يشتون «9» خفافا «10» ، فإذا انقطع الشتاء انحدروا إلى الحزن- قال: فاحتمل بنو عتيبة، وبنو عبيد، وبنو زبيد من بني سليط، من أول الحي، حتى استهلوا ببطن مليحة، فطلعت بنو زبيد في الحزن حتى حلّوا الحديقة «11» والأفاقة، وحلت بنو عتيبة وبنو عبيد بعين بروضة الثّمد «12» .
قال: وأقبل الجيش حتى نزلوا خضبة الخصيّ، ثم بعثوا رئيسهم، فصادفوا غلاما شابا من بني عبيدة يقال له قرط بن أهبط، فعرفه بسطام- وقد كان عرفه عامة غلمان بني ثعلبة حين أسره عتيبة، قال: وقال سليط: بل هو المطوّح بن قرواش- فقال له بسطام: أخبرني، ماذاك السواد الذي بالحديقة؟ قال: هم بنو زبيد، قال:
أفيهم أسيد بن حنّاءة؟ قال: نعم. قال: كم هم؟ قال: خمسون بيتا. قال: فأين بنو عتيبة؟ وأين بنو أزنم؟ قال: نزلوا روضة الثمد. قال: فأين سائر الناس؟ قال: هم محتجزون بخفاف. قال: فمن هناك من بني عاصم؟ قال الاحيمر، وقعنب ومعدان، ابنا عصمة. قال: فمن فيهم من بني الحارث بن عاصم؟ قال: حصين بن عبد الله.
فقال بسطام لقومه: أطيعوني تقبضوا على هذا الحي من زبيد وتصبحوا سالمين غانمين. قالوا: وما يغني عنا بنو زبيد لا يودون رحلتنا. قال: إن السلامة إحدى الغنيمتين. فقال له مفروق: انتفخ تتحول يا أبا الصهباء. وقال له هانىء: أحينا! فقال لهم: ويلكم! إن أسيدا لم يظلّه بيت قط شاتيا ولا قائظا، إنما بيته القفر، فإذا أحس بكم أجال على الشقراء فركض حتى يشرف على مليحة، فينادي: يا آل يربوع! فتركب، فليقاكم طعن ينسيكم الغنيمة، ولا يبصر احدكم مصرع صاحبه، وقد جئتموني وأنا أتابعكم، وقد أخبرتكم ما أنتم لا قون غدا! فقالوا:
نلتقط بني زبيد، ثم نلتقط بني عبيدة وبني عتيبة، كما نلتقط الكمأة «1» ، ونبعث فارسين فيكونان بطريق أسيد، فيحولان بينه وبين يربوع. ففعلوا، فلما أحس بهم أسيد ركب الشقراء، ثم خرج نحو بني يربوع، فابتدره الفارسان، فطعن أحدهما فألقى نفسه في شق فأخطأه. ثم كرّر راجعا حتى أشرف على مليحة، فنادى: يا صباحاه! يا آل يربوع! غشيتم! فتلاحقت الخيل حتى توافوا بالغطفان، فاقتتلوا، فكانت الدائرة على بني بكر، قتل منهم: مفروق بن عمرو، فدفن بثينة «2» يقال لها ثينة مفروق، والمقاعس الشيباني، وزهير بن الحزور الشيباني، وعمرو بن الحزور الشيباني،والهيش بن المقعاس، وعمير بن الودّاك، والضريس، وأما بسطام فألح عليه فارسان من بني يربوع، وكان دارعا «1» على ذات النّسوع «2» ، وكانت إذا أجدّت «3» لم يتعلق بها شيء من خيلهم، وإذا أوعثت «4» كادوا يلحقونها، فلما رأى ثقل درعه وضعها بين يديه على القربوس «5» ، وكره أن يرمي بها، وخاف أن يلحق في الوعث. فلم يزل ديدنه وديدن طالبيه، حتى حميت الشمس وخاف اللحاق، فمر بوجار «6» ضبع، فرمى الدرع فيه. فمد بعضها بعضا حتى غابت في الوجار. فلما خففت عن الفرس نشطت ففاتت الطلب وكان آخر من أتى قومه، وقد كان رجع إلى درعه لما رجع عنه القوم فأخذها. فقال العوام في بسطام وأصحابه:
وإن يك في يوم الغبيط ملامة ... فيوم العظالى كان أخزى وألوما
أناخوا يريدون الصباح فصبحّوا ... وكانوا على الغازين غدوة أشأما
فررتم ولم تلووا على مجحريكم ... لو الحارث الحرّاب يدعى لأقدما «7»
ولو أنّ بسطاما أطيع لأمره ... لأدّى إلى الأحياء بالحنو مغنما
ففرّ أبو الصهباء إذ حمى الوغى ... وألقى بأبدان السلاح وسلّما
وأيقن أن الخيل إن تلتبس به ... يعد غانما أو يملإ البيت مأتما
ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما «8»
أبى لك قيد بالغبيط لقاءهم ... ويوم العظالى إن فخرت مكلّما
فأفلت بسطام حريصا بنفسه ... وغادر في كرشاء لدنا مقوما «9»
وقاظ أسيرا هانىء وكأنما ... مفارق مفروق تغشّين عندما «1»
قال: ثم إنّ خانئا فدى نفسه وأسرى قومه، فقال العوام في ذلك:
إنّ الفتى هانئا لاقى بشكّته ... ولم يجم عن قتال القوم إذ نزلا «2»
ثمّت سارع في الأسرى ففكّهم ... حامى الذّمار حقيق بالذي فعلا











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید