المنشورات

يوم الزّويرين

قال أبو عبيدة: كانت بكر بن وائل تنتجع أرض تميم في الجاهلية ترعى بها إذا أجدبوا، فإذا أرادوا الرجوع لم يدعوا عورة يصيبونها ولا شيئا يظفرون به إلا اكتسحوه، فقالت بنو تميم: امنعوا هؤلاء القوم من رعي أرضكم وما يأتون إليكم فحشدت تميم، وحشدت بكر واجتمعت، فلم يتخلف منهم إلا الحوفزان بن شريك في أناس من بني ذهل بن شيبان وكان غازيا، فقدّمت بكر عليهم عمرا الأصم أبا مفروق- قال: وهو عمرو بن قيس بن مسعود أبو عمر بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان- فحسد سائر ربيعة الأصم على الرياسة، فأتوه فقالوا: يا أبا مفروق، إنا قد زحفنا لتميم وزحفوا لنا أكثر ما كنا وكانوا قط. قال: فما تريدون؟ قالوا: نريد أن نجعل كل حي على حياله، ونجعل عليهم رجلا منهم، فنعرف غناء كل قبيلة، فإنه أشدّ لاجتهاد الناس! قال: والله إني لأبغض الخلاف عليكم، ولكن يأتي مفروق فينظر فيما قلتم. فلما جاء مفروق شاوره أبوه- وذلك أول يوم ذكر فيه مفروق بن عمرو- فقال له مفروق: ليس هذا أرادوا، وإنما أرادوا أن يخدعوك عن رأيك وحسدوك على رياستك، والله لئن لقيت القوم فظفرت لا يزال الفضل لنا بذلك أبدا، ولئن ظفر بك لا تزال لنا رياسة نعرف بها! فقال الأصم: يا قوم، قد استشرت مفروقا فرأيته مخالفا لكم، ولست مخالفا رأيه وما أشار إليه. فأقبلت تميم بجملين مجللين مقرونين مقيدين، وقالوا: لا نولّي حتى يولي هذان الجملان، وهما الزويران. فأخبرت بكر بقولهم الأصمّ، فقال: وأنا زويركم، إن حشّوهما فحشّوني «1» ، وإن عقروهما فاعقروني! قال: والتقى القوم، فاقتتلوا قتالا شديدا.
قال: وأسرت القوم بنو تميم، حرّاث بن مالك أخا مرة بن همام، فركض به رجل منهم وقد أردفه، واتبعه ابنه قتادة بن حراث، حتى لحق الفارس الذي أسر أباه، فطعنه فأراده عن فرسه، واستنقذ أباه، ثم استحرّ بين الفريقين القتال، فانهزمت بنو تميم، فقتل منهم مقتلة عظيمة. فممن قتل منهم: أبو الرئيس النهشلي. وأخذت بكر الزويرين، أخذتهما بنو سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، فنحروا أحدهما فأكلوه وافتحلوا الآخر، وكان نجيبا، فقال رجل من بني سدوس:
يا سلم إن تسألي عنّا فلا كشف ... عند اللّقاء ولسنا بالمقاريف
نحن الذين هزمنا يوم صبّحنا ... جيش الزّويرين في جمع الأحاليف
ظلّوا وظللنا نكر الخيل وسطهم ... بالشّيب منّا وبالمرد الغطاريف «2»
وقال الأغلب بن جشم العجلي:
جاءوا بزويرهم وجئنا بالأصمّ ... شيخ لنا قد كان من عهد إرم
يكرّ بالّسيف إذا الرمح انحطم ... كهمّة الليث إذا ما الليث همّ
كانت تميم معشرا ذوي كرم ... غلصمة من الغلاصيم العظم «1»
قد نفخوا لو ينفخون في فحم ... وصبروا لو صبروا على أمم «2»
إذا ركبت ضبّة أعجاز النّعم ... فلم ندع ساقا لها ولا قدم











مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید