المنشورات

يوم مبايض: لبكر على تميم

قال أبو عبيدة: كانت الفرسان إذا كانت أيام عكاظ في الشهر الحرام وأمن بعضهم بعضا، تقنّعوا كي لا يعرفوا، وكان طريف بن تميم العنبري لا يتقنّع كما يتقنعون، فوافى عكاظ وقد كشفت بكر بن وائل، وكان طريف قتل شراحيل الشيباني أحد بني عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان، فقال حمصيصة: أروني طريفا. فأروه إياه، فجعل كلما مر به تأمله ونظر إليه ففطن طريف، فقال: مالك تنظر إليّ؟ فقال: أترسّمك لأعرفك: فلله عليّ إن لقيتك أن أقتلك أو تقتلني! فقال طريف في ذلك:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
فتوسّموني إنني أنا ذلكم ... شاكي سلاحي في الحوادث معلم «3»
تحتى الأغرّ وفوق جلدي نثرة ... زغف تردّ السّيف وهو مثلّم «4»
حولي أسيّد والهجيم ومازن ... وإذا حللت فحول بيتي خضّم «5»
قال: فمضى لذلك ما شاء الله، ثم إن بني عائدة حلفاء بني أبي ربيعة بن ذهل بن أبي شيبان- وهم يزعمون أنهم من قريش، وأن عائدة بن لؤي بن غالب- خرج منهم رجلان يصيدان، فعرض لهما رجل من بني شيبان، فذعر عليهما صيدهما، فوثبا عليه فقتلاه، فثارت بنو مرة بن ذهل بن شيبان يريدون قتلهما فأبت بنو ربيعة عليهم ذلك، فقال هانيء بن مسعود: يا بني ربيعة، إن إخوتكم قد أرادوا طلبكم فانمازوا «1» عنهم. قال: ففارقوهم وساروا حتى نزلوا بمبايض، ماء لهم- ومبايض علم من وراء الدهناء- فأبق عبد لرجل من بني أبي ربيعة، إن إخوتكم قد أرادوا طلبكم فانمازوا «2» عنهم. قال: ففارقوهم وساروا حتى نزلوا بمبايض، ماء لهم- ومبايض علم من وراء الدهناء- فأبق عبد لرجل من بني أبي ربيعة، فسار إلى بلاد تميم، فأخبرهم أن حياّ جديدا من بني بكر بن وائل نزول على مبايض، وهم بنو أبي ربيعة والحي الجديد المنتقى من قومه، فقال طريف العنبري: هؤلاء ثأري يا آل تميم، إنما هم أكلة رأس «3» . وأقبل في بني عمرو بن تميم، وأقبل معه أبو الجدعاء، أحد بني طهية، وجاءه فدكي بن أعبد المنقري في جمع من بني سعد بن زيد مناة، فنذرت بهم بنو أبي ربيعة، فانحاز بهم هانيء بن مسعود وهو رئيسهم، إلى علم مبايض، فأقاموا عليه وشرقوا «4» بالأموال والسّرح «5» ، وصبّحتهم بنو تميم، فقال لهم طريف: أطيعوني وافرغوا من هؤلاء الأكلب يصف لكم ما وراءهم. فقال له أبو الجدعاء رئيس بني حنظلة، فدكي رئيس بن سعد بن مناة: أنقاتل أكلبا أحرزوا نفوسهم ونترك أموالهم؟ ما هذا يرأى، وأبوا عليه. فقال هانيء لأصحابه: لا يقاتل رجل منكم ولحقت تميم بالنعم والبغال فأغاروا عليها، فلما ملئوا أيديهم من الغنيمة قال هانيء بن مسعود لأصحابة: احملوا عليهم. فهزموهم وقتلوا طريفا العنبري، قتله حمصيصة الشيباني، وقال:
ولقد دعوت طريف دعوة جاهل ... سفها وأنت بمعلم قد تعلم
وأتيت حيا في الحروب محلّهم ... والجيش باسم أبيهم يستقدم
فوجدت قوما يمنعون ذمارهم ... بسلا، إذا هاب الفوارس أقدموا «1»
وإذا دعوا أبني ربيعة! شمّروا ... بكتائب دون السماء تلملم «2»
حشدوا عليك وعجّلوا بقراهم ... وحموا ذمار أبيهم أن يشتموا
سلبوك درعك والأغرّ كلاهما ... وبنو أسيد أسلموك وخضّم «3»













مصادر و المراجع :

١- العقد الفريد

المؤلف: أبو عمر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفى: 328هـ)

الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

الطبعة: الأولى، 1404 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید